ملتقى الفيزيائيين العرب > قسم المنتديات العامة > منتدى المناسبات. | ||
يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟ |
الملاحظات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#201
|
|||
|
|||
![]() محمود درويش .. وسقطت قربك فالتقطني ...
بقلم: محمد يوسف جبارين (أبوسامح)..أم الفحم..فلسطين استعاره الفجر للعزة أجنحة يحلق بها ، فأبقى القصيدة نهر حب ، يتدفق في عروق الوطن بأعز وفاء ، واستراح له الكلم يرسم به أجمل وقع للألحان في نفوس الشرفاء ، فبدا مثل مهرجان الشمس ساعة شروقها، يكتب على الليل فرارا من عند أقدام الضياء ، وتدفق سيرة حب وعطرا يسكبه، يروي نبات الحرية ، ليعلو الغناء أعلى فأعلى في ابداع صناعة النهار .. الوطن قصيدة حب ، أجاد رسمها ، وما كان لغيره أن يبزه في رسهما . هو الوطن والوطن يجري في دمائه ، وفي عقله وشعوره ورسمه ، هو الرسم والرسام والنغم والناي وشدو العصفور على فنن ، يتمايل بنسائم حرية تتهادى في وقعها ، كما الآمال والأحلام، في عشق الأحرار لحرية الأوطان ، هو محمود ، فكل يحمده حمدا يفيض بحب الحامد ، لحرية وطن تغنى به وشدى محمود، كما الطير محلقا بحرية في فضاء حياة ، هي الحلم الراسخ في العائد بحب ، الى حب لينمو بحب هو الحب الخالد الباقي في الأزمان ... فكيف لا تذرف القصيدة دمعا ، وقد ودعنا محمود ، وكيف لا ينشج صدر الوطن حزنا ، وكيف لا تغدو عيناك يا ابن الحرية في فصل شتاء . أتراه الفجر يطل علينا هكذا ، من دون أن نكون له الكبد والسناء . فما مات من تحلى النهار بوفائه ، وأعاد لوقع الخطى ، كبرياء الكرامة ، في أعز عطاء . ولا فارق القلب قلبا ثوى اليه في أجمل رسم عرفته ذاكرة الوفاء . ولا خفق القلب بغير ما فيه من دم ، ولا رفت أعصاب حرية ، الا بما مدها القلب من دماء . فهذه نسائم الحرية استعارت ألحانها من كلماته ، وهذه ديمومية البذل تتدفق بسيرته من بناء الى بناء . هي الأحزان جاءت ، أقبلت وتربعت على ضفاف الآلام ، وقد ارتفع صوتها في كل دروبنا ، من كثرة ما ينزف منها من الدماء . ، وقد شاءوا ، أن تكون لنا ، الانطواء والعماء والغباء ..تعمى بها البصائر وتتغابى ، فلا ترى الآفاق ، ولا ما بها من سناء .. وأطل من قلب الجراح قلب بالغناء ، يوقد فينا جذوة الأمل وعزيمة الصبر ، ووهج الحرية في الكفاح ، وارتفع محمود بالقصيد ماجدا ، يومض له المجد ألحانا يسكبها على جنبات الأمل أصدق وفاء في أغنيات شرابها حرية ، عذوبة الماء القراح ، على شفاه تشققت من شدة جوعها ، الى حبات ليمون تستنبتها في بيارة ليمون وبرتقال ، على شاطى هناك غادره القلب مجروحا، وظل الشوق يغني به دورة الحق الذي لن يضيع مع تعاقب الأجيال .. عائدون بالقصيدة لنكتبها قصة حضارة كانت وتكون .. نعبر جسر العودة بملء المعنى في عودة الأطيار الى أعشاشها ، ونكتب حكايتنا ، كنا هنا ، والى هنا نحن نعود ، الى هنا ، الى هنا، ليس لنا غير هنا أن نكون ، أصاب أشجارنا صيب ، وها نحن تجددنا ، عدنا ، برغم كل صيب جاء يمزق في الأشجار ، لكي لا تبقى وتدوم . بقاء عانق الخلود ، فلا تسأل كيف يديم الخلود في بقاء، مجدا يتجدد فلا يزول ، كنا هنا وعدنا الى هنا .. وأما هم فقد عبروا ، بعنفوان القصيدة عبروا ، رقصوا على جراحنا ، ومروا . العابرون سواد ليل يمر ويزيله نهار قصيدة تطل بكل عنفوان الاصرار على تجديد الوجود .. ايه يا محمود يا كلمة الوطن ينطقها بكل كبرياء العزيمة التي لا تبور ..هي الكلمات وطن الوطن ينطق بالوطن، بأن العودة آمال تسيل على جنباتها الآلام والدماء ، فرسم الحكاية بعز يكتب قصيدة شوق ملتزم ببذل، يعيد كتابة السيرة الأولى للمكان والانسان ، في جدلية صراع ..لا مفر كان وكائن وآت .. فعند الآفاق آمال ، سناها يبرق لكل ذكاء في قلب ، يريد حياة الحرية في الحياة ، ويقيم في صدره للآمال عشا به حياة عطشى الى وطن حر يطل عليه الربيع ، في أبهى رداء. . تذيب الأحزان كل حر في صدقها ، وذلك لكي تقوى يد الحرية به ، فتشق به نهر الحياة . فما هاج حب الأوطان في حنايا نفس ، الا وارتقى بها الى أعلى فأعلى في أرفع وأسمى ارتقاء ، هو محمود درويش فينا ، قصيدة حب العطاء والفداء ، هو الصدق في الأغنيات ، هو الوطن في أنشودة الحياة ، هو الصحيح فينا ، هو كينونة حق في كوامن وجودنا النازع بنا أبدا، الى تنقية النهار من كل ما ألم به ، من شوائب تثقل علينا في هذا الزمان ، هو نحن الآتون من أعماق واجب ينادي عليه محمود في شعره ، بكل بديع القول الذي لا يرقى اليه نداء ، هو القادم الذي نريد أن نكونه ، هو القصيدة التي علينا أن نكتبها بكلماته التي أبقاها لنا مسار حياة ، هو الحي الذي نلقاه أبدا في عطر الكلمات ، ساعة البذل في استخراج الأمل ورفع بنيانه، في فعل يسكب القصيدة وقودا يتلألأ بها وجه النهار . فهل نبكي محمود أم نبكي أنفسنا ، فلم يزل بوقع خطاه ماثلا أمامنا، بين أعيننا ، لم تنزل قصيدة من بين رموش قلب عاشق للألحان ، فلم يزل وقع القصيدة يلح هيا الى حقك في الحياة أيها الأنسان ، فهو الدليل الذي لم يزل دوره فينا ، بديعا في أدائه الدور ، الذي يهتف هيا الى وطن ينادي عليك .. هيا قم فلبي النداء .. فلا غير زغرودة ملؤها الحب الذي مشى في قصيدته حياة لم تزل واجبا أن تقام على ضفاف شوق يجوب شعره دفعا لأبناء شعبه الى الأمام ، نخيلا في وجه رياح تمر ..عابرة .. تعبر عبورا مؤلما ..لكنها تمر .. تلوي عنق سيرها صلابة شموخ النخيل المتحرك بكبرياء وعي بحق، في قصيدته ، فلا تدع دموع الوطن على قصيدة الوطن تأخذ من وطن القصيدة كل ماء وارادة ، ولا تترك البكاء يبعث فيك الجفاف ، فقصيدته لم تزل منهجا ، ومن حق الوطن على عاشق الوطن أن يكون اليها الوفاء ، فهي الحرية للمكان ، والحرية للانسان ، هي اعادة خلق وبناء ، هي الواجب الذي تغسله دموع الوفاء حين الوفاء . فما مات من أبقى القصيدة حياة تنمو بها الحرية في ضلوع شعب، ماء وجوده عزة واباء ، ولا غاب عن الحرية من كان على موعد معها ، كل صباح .. هو يسري في وعي كل حر ، فكيف تراه غاب ، وهو الحاضر في ضياء القول وفي اشراقة فعل الحرية على الديار .. وهو انشودة الحرية للبر والبحر والماء والهواء ، هو في ذاكرة الأرض عائد الى بيارة برتقال .. الى أصص الورد في شرفات يكلله الندى ، تاج حرية وفخار ، وغدا نتلو قصيدته عند شاطىء ليس بعده غير الغناء ، فقصيدته شراب العشق لحياة في وطن طال شوقه الى النهار ... astrosameh@Gmail.com |
#202
|
|||
|
|||
![]() شفاء
بقلم : محمد يوسف جبارين( ابوسامح )..أم الفحم ..فلسطين شفاء سنديانة شبت في نضال وأروت ببذلها المكان نضالا . تعافت كلما بذلت جهدها، وغنت عتابا كلما زادها النضال شقاء. شربت الآمال من عيون نضال، وسكبت منها في المكان ألحانا. قالت ويدها تنزف دما ، لا كانت شفاء، ان لم تكن نضالا، ولا كان الدم ذا قيمة، اذا لم يكن للأوطان أسوار. تلك الطائرة جاءت تقتلنها ، فهل نبوس على يديها شكرانا ، وهذه دبابات جاءت تحصدنا، فهل نرقص لها، ونغني عتابا، وهذه جرافات تمزق زرعنا، أفنبسط رموشنا لها بساطا، وهناك الأعراب والغفلة والتلفاز، والذبح فينا أشكالا وألوانا ، يفصفصون كل حكاية وقافية ، ويمرون على ذبحنا لماما .يتمرمرون وما بهم من نخوة، ولا كأن الشهامة ذاقت لهم دماء، كأن الدم العربي، لم يكن سعدا، ولا معاوية، ولا معتصما ولا ناصرا عربا . يمرون على موت أطفالنا كل يوم، وكأن الموت لن يطال منهم أحدا. لقد قعد الموت للعرب في مفاصلهم، ولا ليقرأ السلام عليهم صبحا ومساءً، ولا ليترك ربيعا لهم في أرضهم ، لا ، فلا غير الخرائب مراتع وملاعب . ذلك الموت ما جاء بغير ما به ، فلا سلامة لحمامة تقول سلاما .فاذا رفرف الحمام بجناحيه سلاما، تصيدته النار ومزقته أشلاء.. يا باحثا عن سلام الشجعان ابحث عن الشجاعة ، قبل أن تقول سلاما ، واحرص على نفسك من غدر، فبين حروف السلام ناب تنفث سما زعافا. ما حط الجراد في زرع، كي يقيم مع الزرع سلاما، ولا القنابل حين تمزق بيتا تريد له بعد خرابه بناء، ولا الصواريخ وهي تمزق قلوبا تريد لها غير القبور مكانا، ولا الجرافة وهي تحصد الأشجار بأسنانها تريد لها بعد اليبس أن تعود طعاما. ولا من أشبع رغيف الخبز رصاصا، يضيف اليه سمسما ونعناعا ، ولا من أرغم النساء أن يلدن على الحاجز يريد لهن غير المذلة وساما .ولا من استوطن أرضا بعد تشريده أهلها، يريد لهم أن يعودوا لها سكانا. تمزقت قنينة الحليب ، وامتلأ فم الطفل بعد الحليب ترابا، وأسموا الطفل ارهابيا، والقنينة ارهابية، وشرب الحليب ارهابا . وزرعوا من الرصاصات عشرين في صدر ايمان ، وأسموا حقيبة المدرسة حزاما ناسفا ، ومشي الطفلة الى المدرسة ارهابا. سل عن شفاء ، تجدها في مفاصل التاريخ عزا وكرامة ، تجيد رسم التاريخ ، وتعرف كيف من الجفاف تصنع ماء ، ومن الجوع خبزا ، ومن الحصار صلابة تئد به الحصار. وتعرف كيف بدمها تخيط نضالا ، وكيف بأحزانها تؤثث للواقع آمالا، تشرب الحزن ويهيج الفكر به، ثم تسكبه في الارادة وقدا وهاجا ، كفرقد طارق ثاقب يطرق طريقه في الظلام ويصل أيان شاء. شفاء ما رف لها جفن من وجل ، ولا ناخت لأحزان .. في مآقيها السواقي ، ومواقد نار وبين الشفتين آهات تحدث بما في الصدر من غليان، وثابة النخوة تباريها دمعتها الى جرح والهمة تسبقها الى وفاء . كلما نزف لها جرح ، وقعد اليأس عند الأقدام ، تقيم للأمل عرسا ، وتغني عتابا ومواويل . وعند ذكرها كل شهيد ، فكأن الجرح واليأس جاءا يزرعا آمالا فهي ساقية الأمل، ترى وهي مثقلة بالقيود امكان فعل محفوف بمخاطر ، يبذر أملا مطوقا بأغلال، ولا تنثني عن أن في الشدائد وعيا وحكمة ، بهما يعرف الضعيف منابت قوته ، وكيف يقيم موقفا وقوة، يقلق لهما الأقوياء . وتحس بأنها فاصلة في التاريخ ، فما تفعله الآن يؤثر في مقدرة الأبناء غدا ، ففكرها منصب على اشتقاق قواعد الزمان القادم ، فعندها مسؤولية تاريخية ، فلا محل للتلقائية.. فما كان، يكون الآن، وما هو كائن يكون غدا، هو بعينه ركود، واضافة تتجدد في تضييع ما تبقى حتى الآن ، ففي قناعاتها بأنها ابنة أمة ، هي خير أمة أخرجت للناس ، لكنها تنظر في مئات السنين ، فترى بأن الحكم لم يتجاوز حكم العائلات ، وبأن الأمية التي جرت قرونا من الزمان ، استقرت على ما هيىء للأقوياء ، أن يأتوا ويسلبوا هذه الأمة ، كل خير وكل شرف ويدوسوا على كل كرامة. انها ترى الشقاء الذي تشقى ، نتاج تاريخ .. من فراغ في علوم الطبيعة ، وفراغ في القوة ، ما جعل الضعف خصوصية هذه المنطقة ، في مقابل قوة لا تقيم احتراما ، ولا قيمة ولا وزنا لهذه الأمة ، فتعبث بها وكأنها مائدة طعام ، فهكذا هي شفاء فكر من نضال يجوب الزمان والأحداث ، تفتش في الأسباب وتعزو الحدث الى أسبابه وتفهم ، لا تترك نأمة ولا همسة الا وتكورها ، وتنقب فيها ، تتأمل كل شيء ، وتشرب من أحزانه ، فحزن الحدث، بعض انتماء وفهم. وعند كل خراب ينزل في الديار، تغمغم، أواه منك يا زمان، أصبحت اللبؤة فيه بلا أنياب، وحين تكون في موكب شهيد أو في المقبرة تجمجم أواه منك يا ضعف ، فأنت فرصة القاتل الى قتلي؟ فأحداث المكان ملء وعيها، فانتماؤها جعلها خلاصة الحال. فحال المكان في حالها، وحالها في حاله، فهيبتها هيبته، ولغتها لغته، فأي تحول يحل في الحال ، يحل في تعابيرها فهي مرآة حاله. فأمطار الدماء التي هطلت من شرايين الأكباد ، اشعلت الحريق في أحشائها، ومشت رعدا في فرائصها، وتكلمت عن نفسها بتعابير وجهها، وبوقع خطاها، وبتهدج صوتها ، حين تكلمها وقد احمر بياض عينيها، وجفف الحزن الماء من شفتيها، فبدتا كسربين من قبور لما شاع بهما من شقوق، فكل شق باسط ذراعيه سائلا عن نضال. وكذلك شفاه المكان ، فعليها الوجع ينطق بأن نضال استخلاص شفاء بنفي وجع ، فجملة النضال استنبات جملة الشفاء بنفي جملة الوجع. واذا المكان ينزف، ورموش الكرامة دامعة، ونبضات العزة متيقظة، فشفاء ماطرة بالكرامة والدموع ، فسرعان ما يجلو البكاء يعاينه ويفصح عنها، بايماءات تعبيرية بارعة الدلالة، فهو بكاء مستنير ومتمرد، وبه انارة لسير تاريخ ، فهو يؤثث لمنهج يمشي عليه نضال الى شفاء، فثمة ثورة تتكلم باسمها دمعة ، أي أن دموع شفاء حين تتكلم، فكلامها جمال مستغرف من جمال بكاء راشد، يرشد الارادة الى نضال، وكأن دمعتها رسالة حرة مخطوطة بدماء ثورة ، فهي تستسقي الأمل وتسقيه ، تؤمل وهي حزينة ، وتبطن عاصفة اذا عضها جرح، وتحس الجرح، وتقرأ في حسها، وتقول: لو أن اسباب الجرح تعود الى الغريب لناديت يا عروبة، ذاك الغريب ينال مني لكن العروبة في سبات، وعلى رؤوسها غربان، تملأ كرسيها من أنفاس الغريب، فالى زنودي اشدد ركاب عقلي، فهي عضلات جلدي وأسواري، وبها يستيقظ النيام من نومهم، ويخرج الغافل من النعاس . وتدور بعينيها في المكان، وتقول في نفسها، أما عرف العرب بأن التراب وديعة الاستمرار في الأرض؟! ، ثم تحدق في الحجارة اذ تراها شاخصة اليها، فتقرأ في وجومها حزنا يكلم حزنها ، وتملأ رئتيها من الهواء، فتحسه يكلمها، فتعرف بأن به زعلاً على من ماتوا، وكانوا يمدونه بقيمته، وتفهم بأنه يتمنى لو أن به اختيارًا، فما كان يدع غرباء يركبونه ليتصيدوا أبناء المكان، واذ هي على هذا الحال، تتنبه الى نداء من كل جماد ونبات يودع في وعيها، بأنه مخلوق لها ، فهو جمالها الذي عليها أن تحرسه بجمال أفعالها. ويتداخل النداء، بنداء آخر تفوح منه رائحة عطر ، تنم على عبق الشهداء ، وتتذكر شفاء الذين ثووا الى داخل التراب، وتفطن لأول مرة بأن القبر قلب الحياة ، فهو النابض بها، ولولاه لكانت الحياة بشكل آخر، غير هذا الذي تعرفه الآن. فالقبر اذا هو حضن دافىء يغرب كابوس الاحتلال، ويتنفس المكان أنفاس العافية، التي غابت عنه منذ بدء الاحتلال. وها هي القبور حركة وعي ، في داخل حرية متحركة في حياة المكان. وحركة الوعي هذه مضافة في تفكيك أغلال الحياة ، فالمقبرة جذور الحياة النابتة في البقاء، والناطقة بأن الشهداء أقوى الأعمدة لبيوت الكرامة في الحياة. ولأن الحياة بعمق هذا الرحم في البقاء، ولأن الديمومة بكرامة في المكان، لها عقل وقلب ورحم مثل شفاء. ولأن الأحبة، وهم في قبورهم، لهم دورهم في اذكاء شعلة الحرية في الحياة . فلقد هجمت الصواريخ على كل ما له صلة بشفاء، ونزلت على الأحياء والأموات، وأنذرت من في القبور كوارث، اذا هم لم يخرجوا من الحياة . ونزلت على الأسماء، أجساما كانت لها أو كانت بلا أجسام ، حسبوا بأنه بالقتل يكون فكاكهم من دوامة الأمن ، وما زادوها باراقة الدماء الا تأزما واستغلاقا ، فالحياة بها مناعة، ولا أشد منها قسوة على من سعوا بها خرابا ودمارا. كان المكان ملاعب، دافئا قبل أن تجوسه أقدام الخراب، كان الضرع الذي شربت منه شفاء، قبل أن تغدو هادرة جائعة عطشى الى استعادة المكان كما كان. تذوق الموت ، وفقط أن يعود . تجترع المصائب كلها وتستحلبها لبنات تعيد بها البناء. وهذا كلامها، وسط الدمار، عندما كانت تنظر مشاهد الخيام التي كانت تمزقها من زمان. لا عرب نأمن بهم على حياتنا، ولا القنابل تتوقف عن نزولها فوق رؤوسنا ولا مساكن نسكنها، ولا غطاء نتغطى به، ولا خبز نأكله، ولا ماء نشربه.. أخربوا بيوتنا على من كان فيها.. وخرجنا من تحت الأنقاض ، فبعضنا يتنفس الهواء، وبعضنا الآخر واريناهم التراب.. وهذه قنينة حليب، هناك انظروا اليها استمعوا لها فانها تسأل عن الطفلة التي كانت ترضع منها.. هل تعرفون أين الطفلة الآن ، انها تحت التراب ولم تكن وحدها.. أحرقوا قلوبنا.... وهذا نحن وهذا حالنا ، ورعاة القبائل العربية ، يشربون قهوة في داخل دبابة أمريكية في العراق. وهذا أنا شفاء الرحم التي سوف تملأ الأرض صبيانا وبنات. أنا من صنعت التاريخ وجعلت التتار فقاقيع صابون يمتصها الهواء. أنا شفاء الضعف ، أعرف بأن أسرار القوة كامنة في الحجر ، فبها يجف كل حزن ، ويشفى كل جرح في كرامة أمتي ، وتعود أسراب الطير بعد تشريدها لتعانق ترابا، في عناقه يكون شفاؤها من فراق أليم جاوز النصف قرن. |
#203
|
|||
|
|||
![]() فاطمة
بقلم: محمد يوسف جبارين (ابوسامح) ..أم الفحم..فلسطين سيدة المكان وجوهرة الزمان ، مكدودة بآلامها ، مغرورقة الدموع ، لم تعد تعرف الابتسامة ، ذهبت الابتسامة ، مع من ذهبوا ، اخترقهم الرصاص ، فغامت الأجواء من حولها ، وتكدرت ظروفها ، بعد أن كانت تضاء بابتسامتها ، بعذوبة ألفاظها ، برقة تعابيرها ، ولطف ودادها ، وسخاء عطائها . لم تعد فاطمة المرأة التي كانت ، فهي ألآن ملتفة برداء أحزانها ، تعتصرها جراحاتها ، لقد زلزلت ظروف الصراع بها زلزالها ، مأساة جامحة حلت بالمكان ، فهي الآن كتلة من نار تتفلت لهبا ، لا كلمات ترسم سخونة أعصابها وأفكارها ، فالحي الذي تسكنه ، قد أتت عليه الجرافات ، بعد أن أتت على الحياة فيه الطائرات والدبابات ، وأصبح المكان قفرا ، فبيوته تكومت كتلال من بقايا فظاعة من أخرب المكان ، وعلى فداحة الخطب الذي ترتب على المعركة الضارية ، التي فرضها الاحتلال على أهل المكان . ذهب الأحبة وبقيت فاطمة ..ذهبوا ، ولم يعد المكان كما كان ، أصبح ألآن مقبرة كبرى ..ملآى بالدماء ، وشاهدا على صلابة ، لم تعهدها أساطير من نسج الخيال . فدبابة تهاجم زندا ، وطائرة تطارد طفلا ، ومدفع يقصف ثديا ، والبقاء في المكان، كيفما دار ولف الزمان ، معادلة اللاجىء ، الذي تعلم الدرس من زمان .. أموت واقفا مناضلا عن نفسي وترابي ، ويكون قبري تحت أقدامي ، ولا أصبح لاجئا مرة أخرى . يتمزق الحر في مكانه ، ولا تتزحزح أقدامه الى خارج المكان . المكان مكانه ، والمغادرة تعني الموافقة بأن يقوم غيره بأحتلال المكان . لم يعد يمكنه الحر بأن يكون خارج المكان . المكان مكانه ، وليس له سواه ، فهو في مكانه باق ، فمكانه له ، حتى ولو بقي فيه ، تحت التراب . لن تتكرر مشاهد خيام ، تحدق بعيونها من خارج المكان ، في خلال أسلاك شائكة تفصلها عن المكان ، فالى داخل المكان ، الى داخل الزمان . ما كان قد كان . لو سألت ما كان ، عما كان ، لكان قال ، بأنه ما كان يريد أن يكون ، على ما كان عليه . والكائن الآن ، يكون في المكان ، مهما كان ، ولا يترك لما هو كائن ، أو يكون ، أمكانا ، يكون به خارج المكان . أكون قضيتي ، فقضيتي تكون . أكون شعبي ، فشعبي يكون . أكون وطني ، فوطني يكون . بلا كينونة ، لا كائن يكون . كينونتي حريتي ، أكونها فحريتي تكون . النفس معبأة ، بمرارة الزحزحة ، من المكان . لن تتزحزح قدم من المكان . الصمود حق مجسد في حركة واجب ، ينبىء عن بداية زمن ، يشق به صاحب الحق دربه ، الى حقه ، حتى يقبض بأنامل قلبه على حقه . الاحتلال نار تحرق الحاضر ، وتنذر بأن الرماد ما يتبقى من جنون النار ، فأو تنطفىء النار ، أو الرماد . عندما يضيع العقل يكون الجنون . لا يفهم الجنون سوى الجنون . فاذا كان الجنون هو الحال ، الذي أوقف به الجنون ، أكون مجنونا ، وأخمد بجنوني نار الجنون . الاحتلال معناه ، اشتعال جهنم في أنفاس الحاضر ، فبقاء الاحتلال يعني قطع زمن الحاضر ، فلا مستقبل ، فخروج جهنم من الحاضر ، ضرورة حاضر ، لكي يكون له غده ، ويكون له مستقبل . حب الوطن ، يعني أن تعيد أنتاج الوطن . الوطنية صياغة للواقع من جديد .. تجديد يعاد به التراب ، ليغدو ظروف حياة ، طعاما ، ماء ، هواء ، مكانا ، كرامة ، عزة ، شموخا ، زمانا لأبناء الوطن . فكرامة المواطن ، من كرامة الوطن ، ومن لا كرامة له ، لا قلب له على وطن ، ولا وطن له يذيبه في حب الوطن ، فحيث الحب تكون الكرامة . الحب كرامة ، والكرامة حب ، ولا وطن في نفس خلت من حب وكرامة . بهكذا تحديد ، تحدد فاطمة ، حقيقة من أحبتهم ، وغادروها أشلاء ، كانوا وحدهم ، صاغوا مشهدا أسطوريا .. لحم في وجه جهنم ، حاضر يحترق لينير وجه المستقبل ، شموع ذابت في انتاج نور يقيم قواعد المستقبل ، برهنوا على أن ما كان أيام زمان ، لم يعد ممكنا له أن يكون ، أسقطوا منطق الصمت ، فجعوا النذالة في تبعيتها ، أبدعوا حروفا لمنطق جديد ، أخبروا الذين سقطوا الى أعلى ، بأن سقوطهم الى أسفل ، قد أصبح وشيكا . ومن بين نار الفجيعة ، بين رموشها ، تعرف فاطمة ، كيف تحدد طريق الكرامة ، وكيف تلمز ، من ناموا ملء جفونهم عن محاصرة الكرامة . للحب كرامة ، لا تفسح مجالا لأي نوع من احترام ، لمن لا يعرف للدم والتراب كرامة . وتتناول فاطمة ، بقبضة يدها حفنة من تراب ، وتعتدل في مجلسها ، وتبسط يدها أمامها ، وتقول وحبات التراب تتخلل أناملها ، وامارات وجهها قد أزدادت حدة ، والشرر ينفلت من عينيها ، هذا ترابنا ، هذا نحن ، هذا دمنا ، هذه هي الكرامة ، وتنطق أسماء من ذهبوا فردا فردا ، وهي مشدودة الأعصاب وتبكي ، لا تكف دموعها عن الحفر في خدودها .. كثيرون قد ذهبوا ، ولكن كل حبة تراب شاهدة ، على أنها وجدت قطرة دم تحفظ لها كرامتها . في هذه المعركة ، قد تم أنتاج الوطن من جديد ، الدماء رسمت وجربت الجديد ، فيا ليت أن المتفرجين كانوا من قرب يتفرجون ، ليروا بسالة الأسماء . تدقق فاطمة ، في تفاصيل الانتماء ، وارتباطه بالصراع ، تريد أن ترى الطريق ، وقد امتدت بالوسائل الى الآمال ، التي شاغلت صدور الشهداء ، لقد أدركت من فيض الجراحات بين أقطارها ، بأن من لا يجيد صنعة التاريخ ، ليس له ، أن يدهش لماذا يجد نفسه ، في ذيل هامش من هوامش التاريخ . فرغما عن المأساة ، التي حلت بها ، بقيت فاطمة ثابتة الفكر، مثل نجم يتلألأ وسط الظلام ، لم تفقد رشدها ، ولا أطرقت برأسها اطراقة غافلة ، ولا مزقت شعرها ، من قلة نار في صدرها ، ولا لطمت على خدودها براحتيها ، من قلة سخونة في أوجاعها ، ولا قدت ثوبها ، ونثرت التراب ، الى أعلى رأسها ، من قلة أحبة ، رأت أجسامهم معفرة بالدماء ، فآلامها تضيق بها ، وتعتصرها ، كأنما لحمها يتقلى على نار بركان ، تجوب حرارته أرجاءها ، فدموعها سخونة موقف ، والحاح ضرورة ، على نشدان الآمال .. حسرات بنت وطن ، لم يبق من أسرتها سواها ، لتبكي ويتقطع فؤادها كمدا وشوقا ، الى يوم ترى فيه حمامة السلام تحلق فوق قبور ، استودعت في كل واحد منها قلبها .. ابكي يا فاطمة ، فالأحباب ، اذ ذهبوا ، قد زادوا الكرامة حبا في المكان. وحدنا.. يا فاطمة طرف في الصراع ..تركونا وحدنا ، لقد استثقلوا أعباء الانتماء ، فاصطادوا أنفسهم في مصيدة النذالة ، التي لا تذر لحبيسها ، أي عقل يوزعه على موجبات الانتماء .. النذل لا أحد أختار له ، أن يكون بين الأنذال ، فما أخزى امرىء ، من مثل أختياره ، أن يكون للنذالة أمعاء لا تنام . فأنت عطر الكرامة ، في صحراء ، أسلمت رمالها أمرها للرياح ، فهناك الذمم ، مثل البندورة ، في الأسواق ، تشرب من تبعية الفكر ، وتتنفس من هروب من الأنتماء ، قد أصبحوا يشتغلون في تليين مواقفنا ، أسترضاء لمن يذبحون حاضرنا بين أيدينا ، وتلميعا لقيمة لهم لدى الأميركان ، وأقاموا للكرامة نصبا تذكاريا ، وألزموا الناس ، بأن لا يقتربوا منها ، بأكثر من دمعة ، وأكليل من زهور ، تراجعوا مبدعين زمن انحطاط .. رجعيات ، محميات منقارها في لحوم شعوبها ، وقلبها وعقلها في رباط مع أرادة أجنبية ، فكيف ظننت ، يا فاطمة ، بأن تلمسي يوما شهامة معتصم ، في أرادات باعت الكرامة العربية . فالبائعون كرامتهم في السراديب ، لن تتجاوز آمالهم آفاق السرداب . فالذين أوكلوا مصيرهم لأجنبي ، فأمن حياتهم هو الغائب عن أرادتهم ، فحياتهم حلزونة ، ينهي بقاءها سيدهم ، متى يشاء ، والهاربون من النور ، ليس لهم غير الظلام يسكنون ، والذين لم تلفح النار وجوههم ، لا يعرفون قيمة الخبز الذي يأكلون ، والفاروون من الواقع الى الماضي ، كان الأجدى لهم ، أن يسكنوا الماضي ، الذي يسكنهم ، وبه وحده يرتضون . الواقعيون هم صناع الواقع الذي عنه يبحثون ، بأدوات من واقعهم الذي اياه يعانون . معاناة الجراحات ، وشدة الآلام ، صيحة نبل ، وبواعث حركة توليدية ، لاقالة الجراح والحؤول دون تكرارية الآلام . فلهب الدموع في الجفون ، وأوار النار ، في الصدور ، أنغام انشاء لارادة تنتشل العافية ، من أعماق الجراح ، فوعي الجرح أستدلال على أسباب وجوده ، وأنتباه ومعرفة بأسباب انتفائه ، وحاجة الى وعي الذات بقواها الدفينة وأستنهاضها في حركة ، تجمع أسباب الردع ، التي بها تنتفي الأسباب ، التي التقت على أنتاج الجرح ، وعلى ادامة ادمائه .. أنهضي من بين الدموع يا فاطمة ، فليس للزيتون غير ترابه ، وليس لزهر اللوز غير هوائه . فالأحبة ما ذهبوا بعيدا في الزمان ، فهم في زمان الحلم ، الذي أورق بهم ، ويطل على المكان من بين أناته . أنهضي الى وضوح الوميض ، في عينيك ، تجدين الحلم بين يديك ، ودمعة فرح تتواثب على جفنتيك ، من أعماق مأساتك . |
#204
|
|||
|
|||
![]() [rainbow][align=center]جزاكم الله خيرا [/rainbow]
منتدى بالفعل رائع ومميز [/align] |
#205
|
|||
|
|||
![]() بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين شـكــ وبارك الله فيكم ـــرا لك ... لثقتكم الغالية وان شاء الله اكون عند حسن ظنكم بي ... لكم مني أجمل تحية . |
#206
|
|||
|
|||
![]() شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
موفق بإذن الله ... |
#207
|
|||
|
|||
![]() قلب
بقلم : محمد يوسف جبارين( ابوسامح).. أم الفحم ..فلسطين قلب مفعم بالنور ، تنامت قواه ، تسامت وهاجت ، تدافعت وسط الأحزان ، على بحار من الأسى ، وتحت سحب تمطر هموما وشقاء .ضاجعه الهم الثقيل الكالح ، وكشر له عن أنيابه وجالسه ، فجالد الجفاف ، وما انقطع عنه الرجاء . عركته المرارة ، وعلمته كيف يحيل الضيق والمقاساة الى مكاسب انسانية ، استمرأ الصبر فصيرته المصابرة ، وسط حرارة المقلاة، تحت المطارق ، راسيا على مكنون صدره ، مثل الرواسي الجبال . يسره عسر الحال لرآفة أصارته صرخة منبثة من تحت ضلوع الفقراء . انبقرت له خبايا الدنيا ، واستمنحته بين جنبيه مكانا . داخلته الحقيقة ، فأنجبته ، اتخذت منه لها ضلعا ولسانا . مشى في بحر الأيام ، يزايل حلكة الليل عن كاهل النهار . يميس نبض فؤاده ، حياة في عروق البقاء . يداني الأمل الى أزاهير الحياة ، يتألفها على نور يضيء لها آفاقا . يملس بين القلوب املاسا ، يثري التأهب تنبها وانبعاثا ، يقول : أديل لنا لما كنا أنفسنا ، وكان لنا الحق منشأ ورباطا وأزوادا . تعالى الوفاء بالأفعال نابضا ، يثري الثرى نقاوة ، يمحو عنه قفرا بلقعا وأدرانا . نكون للصدق مرابضا ، ومن مضاء العزم السنان . فما فرح أبن أنثى بفجر ، الا اذا المحن والبلايا صقلته وأروته أنوارا . وما تهلل المجد بقلب في ساحة ، الا اذا منه سال الفجر أنهارا . وما دولة الا بنت أمل وارادة وطاقة ، اذا تلاقت ماجت الأرض أفراحا . ليس للطين في الطين حياة ، ان لم يكن الطين للطين زنادا . يا طين ، أنت نطاق فيه بركان حالم ، ان قام يقيم الدنيا وأقواما . صحوة اذا هي بك هدهدت ، شد الفجر اليك ركابا . انه فلب تخضل بالراية ، فسلخ من عمره الحياة ، وأعطاها لها أكنافا . احتوته واحتواها..كلما ضمها بين رموشه ، رفت نياط قلبه . حسها تودع في وليجة نفسه فجرا يشبه لؤلؤة تتخللها أشعة الشمس ، فتملأ بالنور اهابه . تسري بين خلجات نفسه ربيعا أخضر دافقا بشرا، وشروقا وحرارة ناعمة . ينشرح صدره وينسرح فكره . يتراءى له المستقبل صافيا يوسوس : تلك هي بشارة اللون الأبيض ، وما يلبث هنيهة حتى يتخطفه اللون الأسود .. سحب سوداء ، تسكب سموما على جلده ، تعتصر مرارة قطرانا في حلقه . يفور الرفض في أوداجه ، يحتل مزاجه . تشيع في ملامحه يقظة . تلتمع عيناه . تنشط موجات من السخط ، في بدنه . تعلو به على نفسه ، تنبهه بأنه أكبر من الظروف الموضوعية المحيطة به ، فهو حر بأن يحتمل أعباء موقفه حيالها ، انها على مخزون طاقتها السالبة ، وان شاءت تنغيصه وتركيعه وتنحيته عن موقفه ، فانه لا يأتمر بأمرها ، لأن موقفه ايجاب انتماء عنوانه الراية الى أعلى . تنبس شفتاه ، ان السالب ناقص ، عمى ، جهل وتيه حيرة ..ذبابة زرقاء ونفاية ..فكر لا يثمر ، وعمل سياسي أعمى ..أصفار زائدة ، مثل النعال البالية .. أصفار غارقة في نصفها السفلي . قنوات هضمية ، بلا قلب . قطط مسمنة . نفي النفاية نقاوة ونظافة ، طهارة ، سلامة ، نقاهة . فكرة تجوب ذهنه ، تتقلب بين جنبيه ، يستلين الذوبان في نارها ..تستنهضه الفكرة من مكانه . يتماثل دماءه تجري في نهر خالد ، يشق سواد الليل بهديره ويرغي ويزبد . تمد الراية أكنافها ، يأخذها ، تأخذه ، ينفلت من مكانه ، ينبعث مليئا بالهمة ، في نقل خطاه ميلاد البر والنهر والبحر . في أنفاسه بشائر الفجر ، في مواجهته الأسود قاتما ، في عروقه الأحمر هائجا ، في وجدانه ، في انتظاره الأخضر باسما ، لارادته هما ونية وسائقا ، في أصلابه الأبيض دافقا زرعا زارعا زرعا زروعا أشجارا ، أطفالا ، بقاء في تراب العائدين يتدلى هناءة وشروقا ، يدندن ..أنا صيرورة الزمان والمكان والحق في ركاب الفجر ..أنا أرادة الديمومة في نبض الحياة . |
#208
|
|||
|
|||
![]() ليلى
بقلم: محمد يوسف جبارين ( ابوسامح ) .. ام الفحم..فلسطين ليلى دموع شعب يبكي ذاته ، التي باتت لحما مستباحا بأنياب جنون اللاوعي الذي أصاب بعض بنيه . تصيح يا قلب ، قد مزقتك بنادق ، كانت بالأمس مرفأ الأمان تلجأ اليها ، حين كنت تريد أن تغمض العين ، ومن شدة عناء تريد أن تستريح . ما كانوا جند أحتلال ، وانما هم كانوا معك ، في مقاومة دبابات الاحتلال . حاصروك وأغرقوك بالنار وهدموا عليك بيتك . قتلوا أطفالك بقسوة حقد ، لم نشهد له أصلا ولا فصلا عندنا ، لكنها أشبه ما تكون بجرائم حزب الدعوة في بغداد. أيفعل البطل بمن كان بطلا سندا له ، وعلى أتم الاستعداد ، لأن يموت بدلا عنه ، ما تمناه دوما الاحتلال. هل السلطة تأخذ من البطل بطولته ، فيغدو من أجلها ناشطا في انتاج مشاهد لم تزل بين عينيه المشاهد التي شكلت مأساته .. تركوا الدبابات ، وقد كانوا في وجهها سدودا ، وجاؤوا بنار من سطوح المباني ، ومن تحتها ، ومن داخلها بعد احتلالها ، يريدون أن يقولوا لنا ، بأنهم أصبحوا بعينهم تلك الدبابات . كيف صلوا جماعة ، وكل واحد منهم يتفاخر بسفك دم ثائر من الثوار ، هل من سبيل الى معرفة قاتل ، وكيف أصبح الدفاع عن القاتل ماء وفاء. أي أناس هؤلاء الذين يقتلون الناس ، واذا قال قائل بأنهم قتلوا ، أو وصف بالقلم ، بالفم ، تفصيلا ما فعلوا ، انهالوا عليه بالسباب . كان آخر شيء يخطر على بال ليلى ، أن تجد نفسها وأسرتها ، في بيتها طعاما لنيران ، تطلقها جماعة ، من أبناء الوطن ، ممن كان أبوها على أختلاف معهم ، في كثير مما يتصل بسياسات ادارة الصراع ، كان يقول: هذا الوطن مثل البستان ، لا يزيده اختلاف أشجاره والورود فيه الا جمالا . لم ير بأن سما يتوارى بخضرة أعشاب ، وينتظر فرصته ليقتله . كان الأجدى له أن ينتظر في لبنان . يحلم هناك بالعودة. كان الرصاص يغزو البيت من كل جانب . كانوا بالمئات ، وبكل جنون الرغبة في الذبح . لم تفلح نداءات أبي ولا أمي . مات أخوتي بشظايا قنابل ، وأمي حطت لها قذيفة في صدرها ، وأبي أجهزوا عليه بعد أن لاحظوا بأن به بعض رمق من حياة . لا أدري ماذا حصل لي .. في البدء حسبتهم المحتلين ، وسرعان ما عرفت ، فأصابني ذعر ، فأولئك سندي ، أبناء وطني . سقطت مغشيا علي ، وتبين فيما بعد أن أكثر من اصابة امتصت مني قدرتي ، على الحركة ، كنت أحوج ما أكون لها في ذلك الوقت . كانت ليلى تبكي بكاء ، لم يحصل أن رأيته في هيئة أحد من قبل . وقد أحسست ولأول مرة ، بأن صورة الوطن ، لم تعد هي التي كانت في سلامتها ، فمأساتها أخذتها الى مناطق من ليل بدأت تخشاها ، وتحس عميقا بأنها تشوه لها صورة وطن كان دوما يزهو لها . كانت دموعها تكوي مني كبدي ، تسيل ولسانها يشتعل فكرا، وهي تقول : أنا لا أبكي أهلي وحدهم ، بل أبكي حالنا ، فمشاهد الذبح هذه أراحت اسرائيل ، وأعطت ما تفعله ضدنا بعض مصداقية ، وأصبحنا أمام العالم بحال يستدر الاستخفاف والرثاء. كان حلم العودة يملك علينا حياتنا ، كان كل كلام أبي غزلا في تراب فلسطين ، حتى أن أمي قالت له مرة ، يا ليت أنك تحبني كما تحبها ، وكان يضحك ويقول : عندما نعود سوف نجعلها جنة ، ولما عدنا مع ياسر عرفات ، كان يقبل الأرض ويبكي . لم يكن يعرف بأن مصرعه سوف يكون بأيدي من بذل عمره من أجلهم . كان باديا بأن كل شيء بات يضج في داخل ليلى ، فثمة شيء ما من أبيها ، راح يصعد لها في داخلها ويعلو بها فوق أحزانها . سألتني وأنا معها في المقبرة ، هل تعرف لماذا أسمى أبي أختي شروق . كان يقول شروق تنزل الليل من كرسيه وتجلس النهار ، وكان يداعبها يا ربة النهار متى يزول الليل . فباشرتها بتساؤلات ، كان والدها يرددها ، أين هو الأمل الذي لم تتثاقل به الأنفاس . أين هو الحلم الذي لم تتفصده النار ، لتجعله أشلاء أشلاء . فطافت ببصرها في أرجاء المقبرة ، فكأنها تسلم على كل ساكن قبر فيها ، وتساءلت بأفصح وعي ، كيف يصح أن تكون حروف الثقافة والوعي أنيابا تنهش لحم المصير . كيف يمكن لحرية أن تطلق النار على حرية ، فاذا أطلقت النار ، فلا تكون هي ، فلا بد وأنها خلعت عنها معانيها ، ثم راحت ، وقد استحالت مفرغة ، من كونها حرية ، تطلق النار على معاني الحرية . فكيف اذا عادت من جنونها ، وأرادت أن تستعيد وجودها كحرية ، فهل حقا تكون حرية ، وماذا تفعل بذاكرة ذاتها ، التي تقول لها ، بأن على يديها دماء حرية. وماذا تفعل بازاء الذاكرة الجماعية التي تتحلق في سمائها مشاهد تنذر بالحذر . وهب بأنك شاهدت حرية تطلق النار على حرية ، فكيف تعرف بأنها حرية .. فمن تكون هي الحرية . هل تقول لنفسك بأن ما تراه صراعا على سلطة ، وبأنك أمام تراجع الحوار وتقدم النار . فثمة موقف يطلق مدافعه على آخر ، ليتراجع من أمامه ، فهذه عملية تركيع واخضاع ، وتأثيث لاستفراد واستبداد. فأين الشورى ، وأين هي الديمقراطية ، فالنار في حقيقتها تقصف الحوار ، وتقصف الديمقراطية . فكيف يتفاهم الناس بينهم . كيف يتفقون على طريق ، فاذا غاب الحوار ، فمن له رأي فليبتلعه ، أو قد تلتهمه النار ، فتزيد في مساحات المقابر ، بدلا من أن تزيد في مساحات العمران ، وتزيد في احتجاز مساحات من الأرض لسجون ومعتقلات ، بدلا عن مراكز الأبحاث والمصانع . فمن يذبح يمتلك .. يبدو بأن على عيد الأضحى ، أن يفتش عن العدل ، ويحاسب أناسا كثيرين ، فكل ما تعلموه منه ، أن يذبحوا ليأكلوا . فمن يذبح خروفا يسهل عليه أكله ، ومن يذبح ليطغى ، يقهر ويستبد ، ومن يذبح شعبا يسهل عليه استيطان جغرافيته ، فالذبح آلية استفراد وسيطرة ، وليست بحال آلية شورى أو ديمقراطية. وأخذت من ليلى كلامها ، فهي على ماعرفته عنها، نبات الحرية في بلادي ، واستتبعته باضافة ، بعد أن لاحظت بأن مأساتها هيأت لها تراب الفكرة التي تستنبتها ، وقلت : فأول ما تستوطنه النار الكلمات ، ثم تتحرك بها البنادق ، ويجب أن ننتبه الى أن الثقافات تنشيء الجماعات ، وشيء رائع أن ينتظم المجتمع ، ولأمر طبيعي أن يأخذ الصراع الاجتماعي مجراه ، فيضج المجتمع بالحوار، ويتنامى الوعي الصحيح ، ولكن الخطر يأتي من ثقافة يتشكل بها وعي جماعة ، فكل من ليس معها فهو عدوها ، وليس فقط مختلفا معها وبينه وبينها حوار ، وتنزع الى حسم هذا الصراع لصالحها ، حتى ولو كان ذلك بأرخص ما يوجد في اللغة من كلمات .. قلة حياء ، اذ كيف يستطيع من يرى نفسه بطلا ، وتراه جماعته قائدا لها ، أن يصف بطلا حقيقيا ، بالتبعية والتآمر ، وما شابه من ألفاظ .. أما يكفي بطلا ، قبرا يتراءى له كل يوم بين عينيه ، حتى ينهض له ، من هو، من لحمه ودمه ليصنع له قبرا معنويا آخر في الحياة ، فهذه بذاءة من ظلام ثقافة ، واذا لم تجد من يوقفها عند حدها ، فهي في طريقها لتصير نارا ، كمساهمة منها في تدمير الذات . وهنا اختطفت ليلى مني سياقي ، لم تدعني أكمل كلامي ، وبذكاء لماح ، وبلسان وضاح ، ارتفع صوتها ، يا أبتي ، لقد أكتشف ياسر لب الجريمة ، عرف القاتل الحقيقي . لم يكونوا بشرا الذين قتلوك يا أبت بل هي ثقافة . هكذا ياسر يرى ، فمن سواد هذه ، جاء خراب بيتنا ، وأصبحت يتيمة . ثم دمعت عيناها ، وبكت بكاء مرا ، أحالني بغمضة عين الى دامع الطرف الذي يتماسك ، وبرغمه يتنفس له حزنه بدموع تتندى من بين رموشه . ثم انخلع قلبي من مكانه ، فنشيج صدر ليلى ، وهي تشهق بالبكاء ، وتنتفض من ضربات الحزن في أرجاء نفسها ، قد سلبني صبري ، وبدأت أغلي ، وعلى غير ارادة مني ، دنوت من ليلى وطوقتها بذراعي ، وملت بها على صدري ، بحنان ما عرفته في نفسي من قبل ، وبرقة لم أتذوقها في حياتي ، وبحس واجب ، جمع لي الرجولة كلها دفعة واحدة في كياني . فخالجني شعور بأن الحياة تنادينا ، فراودني المعنى الكامن في ثمار هذه الأشجار النابتة في المقبرة ، التي تتدلى ، ولا تمتد يد انسان اليها ، فلا بد وأن فيها اشارة ، الى شيء ما في الانسان يتحرك ، فيأبى عليه ، أن تمتد يده اليها ، ليأكلها ، فهي من تراب في حقيقته ، قد يكون بقايا أنسان . وتذكرت قول والد ليلى ، حين كنت معه نجمع أشلاء أخوة لنا في خلال التصدي للاحتلال .. كانت ملحمة ، ذهب فيها كثيرون ، فاذ ذاك ، قال لي عمي محمد ، والدموع تملأ عينيه ، أنظر يا ياسر ، الى هذه الأشلاء ، كانوا مختلفين في الحياة ، والآن سوف يلتقون في القبر . أيكون التلاقي في القبر ممكنا ، ولا يكون ممكنا في الحياة.. كيف ، أنحتاج الى عقل يعمل بالمقلوب لكي نفهم . فتراءى لي ياسر عرفات ، فكأنه أمامي ، بين عيني ، فأطل الوطن من داخلي يسألني ، أين أحلامنا ؟، وهاج بي عزم يقبض على الجمر ويلح ، لن نتركه يضيع . وفجأة علت زقزقة عصافير ، من على أفنان شجرة دانية الثمار ، فكأنها جاءت تقول لحياة يشقها الأسى ، على من خرجوا من الحياة بالموت ، بأن ثمة أملا لا ينقطع بالموت . وأذا بليلى تأخذ بجماع نفسها وتتمالك وتسألني ، لمن هذه الأطيار تغني ، يا ياسر ..تخيل وطنا بهذا الحال الذي نحن فيه ، اللاعقل يغني ، والعقل يبكي ، والآخرون موتى ، تحت التراب كانوا أو فوق التراب . فأمتد بصري الى وجه ليلى ، وقد غسلته الدموع ، فبدا أجمل من ورد يبلله الندى ، فناولتها منديلا ، استخرجته من جيبي ، واستأذنتها ، أن هيا .. وما كدنا نبتعد خطوة أو أثنتين ، عن قبور الأسرة ، حتى قالت : أنا يا ياسر ، هو كل ما تبقى من الأسرة في الحياة ، أنا ترابها الوحيد الذي يمشي على قدمين ، فأرفقت قولها بقولي ..هذا التراب مادة بستان نبذر فيه بذورنا ، فتشب رياحين وأشجار تصون الوطن وتحميه ، فمدت يدها نحوي ، فأمسكتها برفق ، بينما هي تقول : وحدتنا ، يا ياسر ، ضرورة استمرارنا وسيطرتنا على المصير . |
#209
|
|||
|
|||
![]() وردة
بقلم محمد يوسف جبارين( أبوسامح) .. أم الفحم..فلسطين وردة يانعة ، رائعة ، ما أجملها ، تنتعش الصدور لمرآها . تبدو عند الصباح ، وقد افترشتها قطرات الندى ، وزاورتها أشعة الشمس ، ريانة ، فرحانة ، مرصعة باللالىء ، تتمايل بها النسائم الناعمة ، تلاعبها فترقصها ، فتبهر الأنفاس ، تأسر النفوس ، تخلب الألباب ، انها آية من الجمال الآسر، فسبحان من خلق الجمال فسواه نعمة وهناءة وسرورا . وردة بيضاء أوراقها خضراء ريحانة شماء أريجها ضياء تحيا في خميلة غناء ، وارفة الظلال ، يأتيها الاطفال ، كل نهار ، يتحلقون حول الوردة الجميلة ، يتأملون ، يرقصون ، يتغنون يصدحون : نغني للحياة ، نقرأ الحياة ، نفهم الحياة. تحيا القراءة نبتسم للحياة ، بنا الحياة تبتسم . نبني الحياة ، بنا الحياة ترتسم . أقرأ الحياة ، تفهم الحياة ، تحب الحياة. تحب الابتسامة. وفي يوم من الايام ، بينما النهار يتثاءب ، جاء الى الخميلة طفل غرير ، وأسمه سامح ، رأى الوردة الجميلة ، فطابت نفسه لمرآها ، اشتم عطرها ، فانتعش صدره ، جرت في وجهه بشاشة ، رسمت شفتاه ابتسامة ، غناها أغنية الزهور . وسوست له نفسه ، اقتلعها من موضعها ، خذها ، ازرعها عندك ، تبقى لك وحدك دون غيرك ، تراها ، تهنأ بشذاها في كل الأوقات . طابت له الفكرة ، مد يديه الى الوردة ، نبش التراب من حول جذورها ، اجتثها ، احتملها بين راحتيه ، وخف بها الى داره ، وهناك زرعها في تراب آخر ، واهتم بها كثيرا . ويوما بعد يوم ، راح الذبول يعتريها ، وشذاها ينضمر ، فارتاع من ذلك ، وطفق حائرا مدهوشا ، لا تلمع في وجهه بارقة ابتسام . وانه لكذلك ، اذ لمحه ابوه ، فسأله عما ينغصه ، فقال سامح ، وهو حائر النظرات ، مشتت الذهن ، تعلو جبينه سحابة من الكآبة والحزن ؛ يا أبتي ، انها وردتي تذبل على عظيم اهتمامي بها ، وانني أذوب في حبها ، أحب لها الحياة . ردد أبوه نظره في وجهه هنيهة ، وقال ورنة الحكمة في صوته ، يا بني ، لا تزرع نبتة في غير ترابها فكل نبات وله تراب . توترت أعصاب سامح ، وأرسلت عينه دمعة ساخنة ، ثم أخفى وجهه في راحتيه وبكى بكاء مريرا ، فالتاع ابوه لحاله ، فاجتذبه من قميصه ، احتضنه الى صدره ، وقال والحنو يشيع في محياه ، لو كنت سألتني ، وأخذت رائي ما ندت عينك دمعة واحدة ، على شيء تعلقت نفسك به ، ولو أنك ترهف السمع ، تسمعني وتطيعني فيما أنصحك فيه ، لتمنيت عليك أن توافقني الرأي ، تنهض الآن فتعيد النبتة الى ترابها ، فما زالت أوراقها خضراء ، فيها الحياة ، لم يفترشها اصفرار ، وان مسها ذبول ، فلعلها تزهر وتثمر وتطرح بذورها في ترابها ، فتضمن استمرارها في الزمان . رفع سامح رأسه ، ومسح دمعته بأنامله ، وسأل بلهفة ، أحقا تحيا ، ان أنا عدت بها الى ترابها وأجوائها الجميلة في الخميلة ؟! . قال أبوه نعم ، هيا ، قم ولا تتبلد . وما تلبث سامح لحظة ، انطلق من فوره ، وهو يقول في نفسه ، لقد ارتكبت خطأ فظيعا حين أرغمت النبتة على الحياة في الغربة والشتات ، كيف فعلت ذلك ؟!. تبا للانانية ، انها هي السبب ، أنا مفارق الانانية – بعد الآن- الى الأبد ، فهي التي باعدت بيني وبين أصدقائي ، وكادت تقتل الوردة فأبكتني .. بعد دقائق معدودات تكون الوردة في ترابها فتحيا ، فنفرح بها جميعا ، أنا وغيري .. لكي أفرح ، لا يجب أن أسترق الفرح من عيون الآخرين . |
#210
|
|||
|
|||
![]() القدس ..عروس المدائن
بقلم : محمد يوسف جبارين( أبوسامح)..أم الفحم ..فلسطين منذ أن هدأت الأرض ، وبدأت تنفلق فيها بذور الحياة ، كانت نواة وجودي تتململ في تراب القدس ، تنفلق ، تضرب جذورها ، تحرك التراب ، تباعده ، تفتش فيه ، ويأخذ عودها الأخضر طريقه الى الهواء ، يعانق الشمس ، ويملأ الروابي جنائن للحياة . فما تنفس نهار في مجرى الزمان ، أو ضم رموشه وأغمض عينيه ، سامحا للفكر لكي يحرث في زينة السماء ، أو تكاثفت الغيوم وهطلت الأمطار ، فأنزلت بشارة الرخاء في الوجدان ، أو أطل شروق يتوعك ، تلوح في قسماته أمائر امتعاض وألم . أو مشى الجفاف ، أو بعضه في السهول والجبال والوديان ، وكادت تتصدع الصخور والحجارة من قلة الماء . أو دوى أنين الناي في الروابي . أو صاحت الديكة وشدت الأطيار من وداعة وامتلاء ، أو مرت ظروف تتقلب بين هذا وذاك ، فما كفت يداي ، عن نبش ترابها ، وتقليب حجارتها وشق صخورها ، ولا عرف الزمان فاصلة ، في سيولة بذلي ، ودأبي على استنبات ربيعها ، واستخراج مقومات وجودي ، من وجودها . فأنا بذرة الحياة الدائمة الوجود في زمانها . فيا من بيده العلم ، وقد ناخ له كل ادراك وفهم ، وعرف كيف يفتش في التراب ، ويعرف كيف يقرأ ، كل علامة دالة على الوجود ، الذي رسم وجودها . هيا ، قم من فورك ، وأسأل ترابها ، استعمل كل أدواتك وعقلك ، ودعها تتكلم عن نفسها ، دع القدس تتحدث عن الدماء التي سالت ، مثل الأمطار ، في عز الشتاء . اسأل التراب عن الذين تحولت لحومهم وعظامهم ، الى هوية للتراب .. الى لغة يتكلم بها التراب .. دع التراب يتكلم ، دعه يروي حكايته ، وأصخ السمع ، واترك الصخور ، والعلامات عليها ، تشهدعلى الأنامل والأظافر وقد برت ، حتى ضاء للقدس ضياؤها ، ولمع سناها ، فأسرت الألباب ، وهوت اليها أفئدة البرية من كل واد . دعها .. دع عروس المدائن ، تخترق بك حاجب الزمان ، فتعرف ما كان ، فتدلك على ما هو آت ، وانتبه الى قولها ، وهي تبث طمأنينة وتبعث أملا بقولها ، بأنه ما نزل فيها غبار ، حملته الرياح العاتية الآتية ، من الأصقاع البعيدة ، وحط صيبا أو وباء في أنفاس الحياة ، أو رجسا تمادى ، وراح يقلب عينيه في عينيها ، أو يزرع سكينا في نحرها ، الا وقعد له القلق ، مثل الجمر ما بين جانحيه ، حتى اذا ما نام ، فر به الفزع من نومه ، أو اذا استراح أراحته الهواجس من راحته ، أو اذا ركب ومشى احتواه الرعب ، وظن الموت ينتظره ، في كل ركن يدانيه أو يركن اليه . فلا تجد له فهما ، لخلاصه مما هو فيه ، سوى استغراقه في اللعب بالنار ، وفي المزيد من جرائمه ، وما دري ، ولن يدري ، بأن كل قوة لو اجتمعت للغريب ، ما لها أن تخلصه ، من احساسه بغربته ، فما استراح قلب لنزف دمه ، ولا استكان كريم لهدم بيته ، ولا لاقتلاع زيتونه ، ولا لاهتراء ثيابه ، وقتل أطفاله وخلانه ، ولا لسحب الأرض من تحت أقدامه ، ولا تناهى ترتيب الأمور الى جمال يبهر النفوس ويجتذبها ، اذا ما وضع كل أمر في غير موضعه ، وذلك لأن للجمال بهاء ، لا يكتمل له ، الا بعودة كل أمر الى موضعه ، وما قام اللاعقل بتأسيس نظام ، الا وكان هو بعينه اللانظام قياسا على العقل ، ولا صفا للصفاء صفاؤه ، اذا ما دارت غيمة سوداء في سمائه ، أو حط غبار على خده ، ولا نبت وهم في حقيقة ، ولا تخرجت حقيقة من كذب ، ولا أقال الكذب صاحب الحق من حقه ، ولا استولد الكذب حقا، لمن هو ليس من أهله ، ولا ارتقى الكذب بحال ، الى حال ليس من حاله . تراب الصفاء صفاء ، وصفاء التراب تراب . لا يمكنه عابر سبيل أن يبدل ، في هوية تراب ، فهوية التراب تراب ، فلا يصح تعريف ترابي ، من دون أن يقال فيه ، بأنه هو ذاتي . ذات القدس ذاتي ..أمي ، أبي ، جدي ، جدتي ، دمائي ، لحمي وعظامي ، في مجرى الزمان . لست طارئا على ذاتي ، ولا مرت أو تمر ذاتي ، في سماء ذاتي ، كما يمر السحاب ، ولا ضاقت ذاتي بذاتي ، ولا تمنت ذاتي ، أن تخرج من ذاتي . هي أنا ، حتى لو لم أجد حفنة من تراب ، أقف عليها ، في طريق عودتي الى ذاتي . فمن أول ما جرت ، في ربوع القدس حياة ، وأنا في فيافيها ، أشرب من ضرعها ، حليب الحياة . فأنا بذرة الحياة الأولى ، أول من شرب من ماء عيونها ، وأول من ملأ أنفاسه من هوائها ، ومتع ناظريه بنجوم سمائها ، وأوقد نارا وشوى اللحم ، وطبخ وعجن ، ورعى الخراف والماعز والأبقار ، وساس الخيل فيها ، وأول من سلك الماء في بساتينها ، وجمع حجارتها ، ورفع مأوى لحياة الانسان ، وأول من صلى ورفع بناء لعبادة خالق الخلق فيها . أنفاسي في أحشاء روائعها ، ما تزال تحكي حكاياتي ، وتقص قصة ابداعي . ابتسامتها من طين ابتساماتي ، وأناتها تتكلم بآهاتي ، وما حزنها سوى أحزان ، تموج ما بين أقطاري . فهي يبوس ، أورسالم ( مدينة سالم ) ، القدس ، الاسم الذي رسمته ، أبدعته ، فعرفته الدنيا من لساني . هي عين الوجود ، وماء الهوية ، وراسم اتجاه الحرص على الذات . هي البدايات والنهايات في تاريخ عروبة ، ما استتب لها أمن ، في كل وقت ، كانت القدس فيه تئن من الآلام . ما كنت وهما ولا سرابا ، ولا ريشة ، في جناح طير يفر ، من مناخ الى مناخ . ولا كنت نباتا في قوارة ، تباع في الأسواق ، لتذبل في وقت ، من الأوقات في الشرفات . ولا أرقت دما من أجل قروش ، أو كساء أو طعام تلوكه عضلات قلبي ، فتستعيد به بعض الدماء ، ولا خطر على بالي يوما ، أن أحمل عصاي ، وأشق بها فرح الآخرين ، حين كانوا نياما ، أو في شواغلهم ، أو في حفل عرس أو ميلاد . ولا استوى لي ضمير ، على راحة ، كلما وقعت عيناي ، على مرارة تموج ، في وجه انسان . ولا عربدت قوة بيدي ، ولا أفرغني غرور ، من عدل ومن حياء . حكايتي في الزمان ، عدل سابح في مجرى الحياة ، وما ارتخى لي عود ، في أحلك ظرف ، مررت به تحت السماء . وما انفرط لي عقد محبة ، ولا تخللني شك ، في وجوب استواء العدل ، على مشارب الحياة . لو كنت وهما ما ضجت آهاتي ، ولا ضمني ألم ، ولا سبحت النار في أحشائي ، ولا تناهت الى مسامع الدنيا أناتي .. أضعت في مرحلة من الزمان نفسي ، وتلك كانت فرصة الغرباء ، للرقص على جراحي . تلك أسوار القدس ، وروائع التاريخ تساورها ، تحكي قصة العقل الفاعل والابداع ، وتقول بأن العقل ، حين كان فاعلا ، فلم يبزه أحد ، في دنيا الأنام ، وبأن جفون القدس ما تشققت ، ولا التراب بكى على التراب ، الا بعد أن تم اقصاء العقل ، عن ارتياده صنعة الابداع . لن تجف الدموع ، وتعلو البشاشة أسوار القدس ، وتضحك باحات الأقصى ، اذا لم يحترف العقل ، صنعة الحرية في صيرورتها ، في الزمان ، ولن تطل اشراقة ابتسامة ، على مداخل الأقصى ، من تأقلم وتخندق في أسوار الحصار والانتظار . يعود العقل بعد اقصاء له عن دوره . يعود الى ابداعاته ، ويتربع سيدا لكل ابداع . وتعود ابتسامة القدس ، زغرودة النهار ، على لسان البشارة ، بزوال الحصار والانتظار ، من جغرافية مواطىء أقدام الانبياء . |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
انواع عرض الموضوع |
![]() |
![]() |
![]() |
|
|