ملتقى الفيزيائيين العرب > قسم المنتديات العامة > منتدى الفيزياء العام | ||
الفيزياء وأحكام اللغة العربية ! |
الملاحظات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
الفيزياء وأحكام اللغة العربية !
الفيزياء وأحكام اللغة العربية
تأليف / د. محمد كشاش - أستاذ بكلية الآداب – الجامعة اللبنانية [align=justify]تمهيد: اقتضت حياة العربي –القائمة على الترحال – أن يولي مظاهر الحياة الطبيعية جل اهتمامه، لأن الأرض و ما يختزن باطنها والسماء وما يجري فيها من أفلاك تمثلان دعائم الحياة وأركانـها وركائزها.فبالنجوم كانوا يهتدون(1)، ومن مدخرات الأرض كانوا يأكلون ويلبسون، ومن موجوداتها كانوا يقضون حوائجهم.نقلت المصادر صورة حياة العرب، جاء فيها:"…وأما أهل الوبر منهم قطان الصحارى وعمّار الفلوات وكانوا يعيشون من ألبان الإبل ولحومها وكانوا زمان النعجة ووقت التبدي يراعون جهات إيماض البروق ومنشأ السحاب وجلجلة الرعد فيؤمونها منتجعين لمنابت الكلأ ومرتادين لمواقع القطـر فيخيمون هناك ما ساعدهم الخصب وأمكنهم الرعي يقوّضون لطلب العشب وابتغاء المياه فلا يزالون في حل وترحال" (2) اضطرهم الواقع المعيشي- كما هو مبين- إلى الاهتمام بالنجوم وأحوالها والحرارة والبرودة والجفاف والرطوبة، وهي من متطلبات حياتهم، هداهم إليها حسهم الطبيعي وملاحظتهم، يدل على ذلك مثلهم السائر: أخطأ نَوْءُك (3)، فضلاً عن عنايتهم بالظاهرتين الطبيعيتين "المد" و"الجزر"، ورصدهم لهما.(4) كل هذه المباحث كانت بداية الفكر الفيزيائـي العربي، والذي يرجح أن يكون من أوائل العلوم العقلية عند العرب. واستمر إيلاء العرب الأصول الفيزيائية الاهتمـام الوافي في حياتهم، وبخاصة فتحهم البلاد، يشدهم إلى ذلك معرفة أحوالها الطبيعية، وخصائصها المناخية وغيرهما. نقل المسعودي أن عمر بن الخطاب كتب إلى حكيم من حكماء العصر بعد فتحهم البلاد، قال: "إنا أُناسٌ عرب، وقد فتح الله علينا البلاد، ونريد أن نتبوأ الأرض ونسكن البلاد والأمصار، فصف لي المدن وأهويتها ومساكنها، وما تؤثره التربة والأهوية في سكانها" (5). ونما اهتمام العرب بالفيزياء في العصور التالية للإسلام، حتى اعتبر من علومهم التي اهتدوا إليها بفطرهم. وهذا ظاهر في تقسيمهم للعلوم، يوم أخذوا يرسمون قواعد الثقافة، وأصول الفكر. ذكر ابن خلدون: "أن العلوم التي يخوض فيها البشر ويتداولونها في الأمصار، تحصيلاً وتعليماً، هي على صنفين: صنف طبيعي للإنسان يهتدي إليه بفكره، وصنف نقلي يأخذه عمن وضعه. والأول هي العلوم الحكمية الفلسفية، وهي التي يمكن للإنسان أن يقف عليها بطبيعة فكره، يهتدي بمداركه البشرية إلى موضوعاتها ومسائلها وأنحاء براهينها ووجوه تعليمها، حتى يفقه نظره وبحثه على الصواب من الخطأ فيها… "(6). وغذّت حركة الترجمة والنقل الفكر العربي بـزاد من العلوم الطبيعية، مما أثرى عقول العلماء، ورفدهم بأصول ومبادئ فيزيائية، انعكفوا على دراستها وتصويب خطئها وإزالة غامضها، نتيجة أخذهم بالمبدأ التجريبي .(7) أثبتت المصادر أن أبا جعفر المنصور بعث إلى ملك الروم يسأله أن يرسل إليه بكتب التعليم مترجمة، فبعث إليه بكتاب أوقليدس وبعض كتب الطبيعيات، فقرأها المسلمون، واطلعوا على ما فيها (8). و نضجت الطبيعيات (الفيزياء)، نظراً لعنايتهم بها، ولطول اشتغالهم بأصولها، يُبرر ذلك تحديدهم لمباحثها، على نحو قولهم: "الطبيعيات وهو علم يبحث عن الجسم من جهة ما يلحقه من الحركة والسكون، فينظر في الأجسام السماوية والعنصرية، وما يتولد عنها من إنسان وحيوان ونبات ومعدن، وما يتكون في الأرض من العيون والزلازل، وفي الجو من السحاب والبخار والرعد والبرق والصواعق وغير ذلك"(9) وبعد التطور الفكري الذي أصابوه، والتغير الاجتماعي(10) الذي عايشوه، اضطروا إلى وضع أحكام وقواعد يضبطون بها لغتهم، ويصونون ألسنتهم من الزلل. انتدب جماعة من العلماء (11) أنفسهم لهذه المهمة، يشدهم إلى ذلك بالإضافة إلى العاملين المتقدمين- نظرتهم إلى العربية نظرة جلال وقدسية من جهة، يصدقه قول الشاعر:[من الكامل]. النحو يَبْسُطُ من لسان الألكَنِ ... والمرء تُكْرِمه إذا لم يلحن وإذا طلبت من العلوم أجلها ...فأجلها منها مُقِيمُ الألسن (12).[/align] ====================== [align=justify] (1) يصدقه قول الله تعالى: (وعلامات وبالنجم هو يهتدون) سورة النحل، الآية 16. (2) صاعد الأندلسي: طبقات الأمم، تحقيق حياة العيد بو علوان، دار الطليعة، ببيروت، ط1، 1985م، ص114. (3) أبو الفضل الميداني: مجمع الأمثال، حققه وفصله… محمد محي الدين عبد الحميد، مطبعة السنة المحمدية، 1373هـ- 1955م، ج1 ص 247، وفيه:النّوْء: النجم يطلع ويسقط فيمطر، يقال: مُطِرْنا بنوء: كذا. (4) ينظر المسعودي: مروج الذهب ومعادن الجوهر، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار المعرفة، بيروت، 1403هـ-1982م، ج1 ص113-117. (5) المسعودي: مروج الذهب، ج2، ص61. (6) ابن خلدون: المقدمة، دار الكتاب اللبناني ومكتبة المدرسة، بيروت، ط2، 1982م، ص779. (7) كان علماء المسلمين- رغم نزعتهم الفكرية- أقل قوة في التجريد من اليونان، لكنهم عوضوا عن ذلك يميلهم الشديد إلى التجربة. وقد بين التقدم العلمي اللاحق أهمية هذا الميل. يراجع، كلود كاهن: تاريخ العرب والشعوب الإسلامية، نقله إلى العربية د.بدر الدين القاسم، دار الحقيقة، ببروت، ط1403هـ- 1983م، ص227. (8) ابن خلدون: المقدمة، ص892. (9) ابن خلدون: المقدمة، ص916. (10) كدخول عناصر غير عربية إلى المجتمع، وما جرّ إلى الألسنة من الوهن والعجمة، ينظر أمثلة ذلك، السيوطي: الأخبار المروية في سبب وضع العربية- ضمن رسائل في الفقه واللغة- تحقيق د. عبد الله الجبوري، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1،1982م، ص168 (11) منهم أبو الأسود الدؤلي ونصر بن عاصم وعبد الرحمن بن هرمز، يراجع، الزبيدي: طبقات النحويين واللغويين، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، دار المعارف، القاهرة، ط2،1984م، ص11. (12) المبرد: الكامل في اللغة والأدب، مؤسسة المعارف، بيروت، لا تا،ج1 ص248.[/align] |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
انواع عرض الموضوع |
![]() |
![]() |
![]() |
|
|