[عاشق الطبيعة]

الشروط الفلكية والشرعية لتحديد بداية الشهر الهجري

يعتمد التقويم الهجري على أطوار القمر في تحديد بدايته ونهايته ، ونظرا لان هذي الاطوار تثبت حصرا بالرؤية العينية فقد أعتمد تحديد بداية الشهر الهجري على رؤية الهلال في أول ليلة ينفصل فيها القمر عن الشمس بعد الاقتران.

وتعتمد الرؤية العينية على عدة عوامل أهمها :

1- حالة الجو .
2- المسافة الزاوية بين الشمس والقمر.
3- ارتفاع الهلال عن الافق ، وهذا يحدد عمر الهلال.
4- مدة مكوث الهلال بعد غروب الشمس.
5- بعد القمر عن الارض وإرتفاع الراصد عن مستوى سطح البحر .
6- صحة بصر الراصد.

الشروط الفلكية لولادة الهلال :

فلكيا يعتبر الهلال مولودا لحظة إنفصاله عن الشمس ، وتعتمد لهذا الغرض إحداثيات موقع الراصد القياسي ، الذي يؤخد عادة بمثابة موقع مرصد غرينتش ، ويمكن معرفة هذا الوقت بالحسبان
الفلكي على قواعد وأصول علم الميكانيكا السماوية Celestial Mechanics .

ويؤشر هذا الوقت في التقاويم الفلكية Astronomical Ephermerides المعتمدة دوليا والتي تصدرها هيئات متخصصة .
أما اليوم الفلكي فيكون مبتدؤه مباشرة من بعد الزوال (( أي بعد منتصف النهار تماما )).

الشروط الشرعية لتحديد بداية الشهور القمرية :

يقول الله تعالى في كتابه العزيز (( ويسئلونك عن الاهلة قل هى مواقيت للناس والحج )) سورة البقرة الاية 189

الشرط الشرعي الاساس لإقرار بداية الشهر القمري هو شهادة رجل بالغ عاقل مشهود بعدالته رؤية الهلال بعد الغروب مساء يوم التاسع والعشرين من الشهر القمري.
ومصدر هذا الشرط قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في إعتماد بداية شهر رمضان وبداية شهر شوال (( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته )).

وفعليا يمكن رؤيتة الهلال بعد غروب الشمس يوم التاسع والعشرين من الشهر القمري إذا تحققت شروط معينة فلكية وجغرافية وصحية نجملها بما يلي :

إذا كان الشهر اكتمل بإنصراف القمر عن الشمس وخروجه من المحاق فإن الرؤية تكون ممكنة إذا جاوز موقعه حدا معينا من الارتفاع يبعده عن تأثيرات ضوء الشفق وإضاءة الخلفية السماوية.

وقديما قرر العالم الرياضي والفلكي الكبير الخوارزمي ضرورة مكوث الهلال الجديد 48 دقيقة على الاقل بعد غروب الشمس ، وهذا يعني ان تكون زاوية ارتفاع الهلال بحدود 12 درجة قوسية ، كما يقرر الفلكيون المهتمون بشؤون الرؤية أن يكون بعد الهلال عن الشمس بقدر مناسب ، فيجعلها بعضهم أكثر من 5 درجات وبعضهم أكثر من 3 درجات.

في جميع الاحوال ينبغي القول ان شرط الرؤية محكوم هو الاخر بالاحوال التي أشرنا إليها وأهمها ربما صفاء الجو ، وإن حصل وجود غيوم تغطي السماء جميعا في بلد أو مجموعة بلدان (( وهذا كثيرا مايحصل أيام الشتاء في أوروبا )) ، فإن تأثير الرؤية غير ممكن قطعا رغم أن الشهر قد يكون في أوله فعلا ذلك المساء ، ولكن ليس من رؤية ، فهل ينبغي ترك الامر للرؤية في اليوم التالي والوقوع في الخطأ الواضح والمقدر مقدما ؟

إننا في عصر تمكن الانسان فيه من إمتلاك ناصية العلوم الفلكية ومكنته الحسابات الدقيقة من معرفة وقت ولادة القمر (( إنفصاله عن الشمس بخروجه من المحاق )) ، وقد أصبحت هذي اليوم علوم يقينية ودقيقة وتشهد على مصداقيتها الارصاد الفلكية يوميا ، لذلك فليس من المعقول أن تبقى الرؤية هى المعيار الوحيد ولابد من إعتماد الحساب الفلكي الدقيق لتقدير وقت ولادة الهلال .

إختلاف المطالع :

عرف فقهاء المسلمين من القرون الاولى لعهد الاسلام أن هناك إختلاف في رؤية الهلال الجديد بين موقع جغرافي وأخر ، ذلك أن لحظة ولادة الهلال الجديد هى نفسها بالنسبة لأي بقعة في العالم .

فإذا قلنا أن هلال محرم سنة 1422 ولد الساعة 04:20 بتوقيت مكة المكرمة يوم 25مارس 2001 فإن ولادة هذا الهلال بالنسبة الى أهالي مدينة جاكرتا ستكون في نفس اليوم ولكن في الساعة 09:20 بتوقيت جاكرتا .

والان لو فكرنا في حالة من يراقب هلال محرم في كل من مكة وجاكرتا لوجدنا أن الراصد في جاكرتا سيخرج للمراقبة والتحقق من الرؤية الشرعية عند مغيب شمس ذلك اليوم في البلد الذي هو فيه ، ولما كانت الشمس تغيب في جاكرتا الساعة 18:01 فإن الراصد سيرى الهلال بعمر 8 ساعات و41 دقيقة ، أما الراصد في مكة سيرى الهلال مساء ذلك اليوم بعد مغيب الشمس الساعة 18:33 بالتوقيت المحلي ولكن عمر الهلال سوف يكون عنده 14 ساعة و13 دقيقة ، وهذا سببه أن مكة تقع الى الغرب من جاكرتا وأن عمر القمر صار أكبر عندما حصل الغروب في مكة وسيكون القمر اكبرعمرا عندما يرصده أهل مدينة الرباط بالمغرب ، ويسمى هذا الفرق بين رؤية الهلال من مواقع جغرافية مختلفة باختلاف المطالع.

في هذا المثال لاتوجد مشكلة رؤية رغم إختلاف المطالع وذلك لأن القمر يولد مبكرا وإشكال في رؤيته ، إلا أن من الممكن أن تحصل ولادة الهلال في وقت قريب من وقت غروب الشمس في بلد معين فلا تكون الرؤية ممكنة في ذلك البلد ، فيعلن ولاة الامر أن الرؤية الشرعية لم تتحقق ولذلك لابد من إكمال عدة الشهر في اليوم التالي وهذا الامر صحيح ، ولكن في بلد أخر يقع الى الغرب من هذا البلد قد تكون الرؤية ممكنة بعد غروب الشمس في ذلك البلد (( لكون الفاصلة الزمانية بينهما كافية لنمو الهلال وإبتعاده عن الشمس بقدر مناسب الذ يجعل الرؤية ممكنة )) فيعلن ولاة الامر أن الرؤية الشرعية قد تحققت وأن الشهر الجديد قد حل وهذا صحيح أيضا.

هنا تبرز مشكلة إختلاف المطالع وتلقي بظلالها على الجوانب الشرعية والمدنية ، وهذي المشكلة هى أمر واقع بحاجة الى حل ، وقد طرحت مؤخرا العديد من المقترحات التي تقدم حلول للمشكلة.