ملتقى الفيزيائيين العرب > منتديات أقسام الفيزياء > منتدى الفيزياء النووية | ||
يحيى المشد |
الملاحظات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#6
|
|||
|
|||
![]() أغتيال العلماء العرب - سميرة موسى
محطة القطار التي لم نصل اليها أكثر إثارة من المحطة التي طويناها .. والمرأة التي لم تأت أجمل من المرأة التي أتت .. والشخصية التي لم نكتب عنها أشد غموضا من الشخصية التي كتبنا عنها .. فالجديد هو السحر الطازج الذي لم نتوصل اليه .. ولو كان المعلوم أهم من المجهول لبقيت الدنيا على حالها .. متنقلة بين ظلام الكهف وفروع الشجر .. ان السندباد ليس حالة جغرافية فقط .. وانما هو حالة نفسية وسياسية وعلمية وعاطفية واجتماعية ايضا. لسنوات طوال ظلت الدكتورة سميرة موسى شخصية محاطة بالغموض. ولدت في 3 مارس من عام 1917 ، في قرية سنبو الكبرى – مركز زفتى بمحافظة الغربية ، سميرة موسى عليان الابنة الرابعة لوالدها الذى عزم على ألا يفرق في التعليم بين بناته السبع وأبنائه الذكور الذين رزق بهم بعد ذلك. في السنة الثانية من عمرها جاءت ثورة عام 1919 لتنادي بحرية الوطن .. وفتحت سميرة عينيها على أناس قريتها الذين يجتمعون باستمرار في دار الحاج موسى يناقشون الأمور السياسية المستجدة ويرددون شعارات الاستقلال الغالية، هيأ هذا المناخ لسميرة أن تصاغ امرأة وطنية تعتز بمصريتها وعروبتها دائماً .. وعندما شبت فتاة يافعة .. وجدت تياراً آخر ينادي بحرية تعليم المرأة .. في جميع مراحل التعليم .. كان من قياداته صفية زغلول، وهدى شعراوي، ونبوية موسى، وغيرهن ، إلا أن هذا التيار أثر تأثيراً غير مباشر على تقدم سميرة في علمها ... وضحى والدها الحاج موسى بكثير من التقاليد السائدة ليقف إلى جانب ابنته حتى تكمل مسيرتها ... وسط تشجيع من حوله بالاهتمام بهذه النابغة وكان من حسن طالعها أنها ولدت في مناخ ثورة ليبرالية غيرت وجه الحياة في مصر .. هي ثورة 1919 .. وهي ثورة لم تأت بالبرلمان والدستور والأحزاب وحرية الصحافة فقط .. وانما جاءت بأفكار مساواة المرأة بالرجل .. وحقها في الاختيار والتعليم ايضا .. فقد جاءت الثورة بدستور 1923 الذي نص لأول مرة على ان التعليم الأولي الزاما للجنسين دون تفرقة .. وبعد عامين .. أي في عام 1925 عرفت قريتها أول مدرسة ابتدائية .. وهو ايضا العام الذي عرفت فيه مصر الجامعة بكل ما جاءت به من تغيرات .. كانت سميرة هي أول من دخلت المدرسة .. ولا جدال انه لولا هذا المناخ لبقيت سميرة موسى فلاحة مصرية متواضعة .. لا هم لها سوى تربية الدواجن .. وانجاب الاطفال .. وما كانت قد فتحت باب التعليم على مصراعيه لكل من جاء بعدها في أسرتها .. وهم يحفظون لها هذا الجميل .. ويفخرون بالانتماء اليها. وقد كانت ثورة 1919 اقرب اليها من حبل الوريد .. فهي من قرية سنبو الكبرى (اسم فرعوني يعني الساحة الكبيرة) والقرية تتبع مركز زفتى .. وزفتى دخلت التاريخ باعلان جمهوريتها المستقلة عن مصر في أيام الثورة .. وقد تحولت الى اسطورة بطلها يوسف الجندي .. ثم راحت الاسطورة تتسع حتى أصبحت من حق كل شخص في المركز. كان الأب موسى علي أبو سويلم مثل أي فلاح مصري .. يحلم بالولد عندما جاءته سميرة. .. لتكون رابع بناته .. لكنه تقبلها وقبلها .. وفيما بعد منحه الله الولد .. فقد كانت ذريته .. سبع بنات وولدان .. ولكن شخصية الأب هي الشخصية المفتاح في حياة سميرة ... فهو رجل (مسموع الكلمة) بين أهله .. عاشق للفن والشعر .. يهوى السياسة ولا يحترفها .. كان من المقربين من السياسي الشهير ــ الذي لايزال يثير الجدل حتى الآن ــ اسماعيل صدقي الذي كان نائبا عن الدائرة في البرلمان .. بل ان الاب كان يوصف بأنه (بسمارك) وهو نفس الوصف الذي كان يوصف به اسماعيل صدقي. وهناك رواية أصبحت اسطورة بنيت عليها حياة سميرة موسى .. هي انه بعد وفاة سعد زغلول جاء الأب بجريدة نشرت نعيه .. وراحت سميرة تقرأ النعي الذي كان يشمل الجريدة كلها .. وفي اليوم التالي طلب مدرسها سيد البكري ان تقرأ على تلاميذ الفصل النعي .. لكنها قالت له: لماذا اقرأ الجريدة .. استطيع أن أقول ما فيها دون الحاجة اليها .. فقد حفظتها .. وذهل المدرس .. وطلب من الأب أن يأخذ ابنته الى القاهرة ليرعى نبوغها قبل أن يدفن في طين الريف .. واستجاب الأب .. وأخذ ابنته ورحل الى العاصمة لتبدأ سميرة مشوارها الى القمة. ولا أشكك في هذه الواقعة .. الكثير لم يصدقوا ان الأب قرر أن يغير حياته خوفا على عبقرية ابنته .. لكن علينا التصديق بان المناخ الليبرالي السائد فتح شهية الناس على التغيير الى الأفضل ... ومن ثم كان رحيل الأب من قريته الصغيرة الى القاهرة .. وتغيير مهنته من صاحب أطيان الى صاحب لوكاندة هو استجابة لطموح شخصي .. حتى لو كان الحافز المباشر حافز نبيل هو رعاية عبقرية ابنته .. ولو كانت الاسطورة بكاملها حقيقية فيكون الأب هو الشخص الذي يستحق التكريم والتقدير .. انه مثل الأب في قصة جابرييل جارسيا ماركيز الذي ماتت ابنته الطاهرة قبل ان تصبح قديسة.. فراح يلف ويدور على كل الرهبان ورجال الدين بكل مستوياتهم ورتبهم الكهنوتية حتى اقنعهم بعد سنوات من الصبر والعذاب بمنح ابنته لقب قديسة.. وقبل ان يسلمه كبير الاساقفة اللقب قال له: في الحقيقة انت القديس. فلولا الاب ما كنت ابنته قديسة.. ولولا الاب ما كانت سميرة موسى عالمة ذرة تعرف اكثر مما يجب.. وتدفع حياتها ثمنا لذلك.. ان العبقرية او الموهبة في حاجة لحماية ورعاية.. فلا شىء ابن الصدفة أو ابن السهولة.. لاشيء يأتي بالحظ.. أو اليانصيب.. او يهبط علينا كمائدة من السماء.. فمن رحم الصبر والحلم والدأب والمعاناة والشغل تخرج الاشياء الخالدة.. ولابد من مناخ عام يدعم ذلك.. يعطي الموهوب فرصته.. لا.. ان يقتله لو مد بموهبته قامته.. فعندما يتحول المجتمع الى كتيبة اعدام للموهوبين فإنه في الحقيقة يكون كمن يطلق النار على نفسه.. وينتحر. انتقل الحاج موسى مع ابنته إلى القاهرة من أجل تعليمها .. واشترى ببعض أمواله فندقاً بالحسين حتى يستثمر أمواله في الحياة القاهرية . التحقت سميرة بمدرسة "قصر الشوق" الابتدائية ثم بمدرسة "بنات الأشراف" الثانوية الخاصة والتي قامت على تأسيسها وإدارتها "نبوية موسى"حصدت الطالبة سميرة الجوائز الأولى في جميع مراحل تعليمها، فقد كانت الأولى على شهادة التوجيهية عام 1935، ولم يكن فوز الفتيات بهذا المركز مألوفا في ذلك الوقت حيث لم يكن يسمح لهن بدخول امتحانات التوجيهية إلا من المنازل حتى تغير هذا القرار عام 1925 بإنشاء مدرسة الأميرة فايزة، أول مدرسة ثانوية للبنات في مصر.ولقد كان لتفوقها المستمر أثر كبير على مدرستها.. حيث كانت الحكومة تقدم معونة مالية للمدرسة التي يخرج منها الأول، دفع ذلك ناظرة المدرسة نبوية موسى إلى شراء معمل خاص حينما سمعت يومًا أن سميرة تنوي الانتقال إلى مدرسة حكومية يتوفر بها معمل.ويذكر عن نبوغها أنها قامت بإعادة صياغة كتاب الجبر الحكومي في السنة الأولى الثانوية، وطبعته على نفقة أبيها الخاصة، ووزعته بالمجان على زميلاتها عام 1933. لقد الفت سميرة موسى كتابا في الجبر وعمرها 16 سنة.. سمته (الجبر الحديث) اهدته الى استاذها الفاضل محمد افندي حلمي.. وطبع منه ابوها 300 نسخة على حسابه الخاص.. ولك ان تتصور ـ بعد كل الوعي والتفتح ـ تطلب منه ابنته التي لم تتجاوز مرحلة المراهقة ان يطبع لها كتابا في الرياضيات او الفيزياء او يطبع لها ديوان شعر او مجموعة قصص قصيرة.. ما الذي يمكن ان يقول لها افضل من المطالبة بأن تنتبه لدروسها.. وتترك هذا الكلام الفارغ الذي لا يأتي من ورائه إلا الصداع. والاب لم يكن وحده الذي تولى رعاية موهبة ابنته.. لقد دخلت سميرة مدرسة تديرها المربية الشهيرة نبوية موسى.. ولكنها سرعان ما فكرت في تركها لانها تريد معملا والمدرسة ليس فيها معملا.. فكان ان بنت لها نبوية موسى معملا.. ووظفت افضل مدرسي العلوم من اجلها ولست في حاجة الى المقارنة بعد كل هذا السنوات في بعض دور التعليم التي لا تفرق في معظم الاحوال بين العلم وتجارة السلع الفاسدة التي انتهت مدة صلاحيتها. الحلم الكبير .. يتحقق اختارت سميرة موسى كلية العلوم .. حلمها الذي كانت تصبو إليه ، رغم أن مجموعها كان يؤهلها لدخول كلية الهندسة .. حينما كانت أغلى أمنية لأي فتاة هي الالتحاق بكلية الآداب. لبست سميرة الرداء الأبيض ودخلت معامل الكلية شغوفة لتحصيل العلم وهناك .. لفتت نظر أستاذها الدكتور علي مشرفة، أول مصري يتولى عمادة كلية العلوم .كان د. علي مشرفة البطل الثاني في حياة سميرة موسى حيث تأثرت به تأثراً مباشرًا، ليس فقط من الناحية العلمية .. بل أيضاً بالجوانب الاجتماعية في شخصيته التى اثرت في صياغة عبقرية سميرة موسى هي الدكتور علي مصطفى مشرفة.. لقد ولد في دمياط في 11 يوليو 1898 وحصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة توتنجهام.. ثم عاد الى انجلترا ليحصل على الدكتوراه في العلوم.. في شهور الصيف بعد ان رفض الانجليز ان يسافر في اجازة من عمله.. وعندما فتحت الجامعة ابوابها حصل على وظيفة استاذ في كلية العلوم وفي عام 1926 انتخب عميدا للكلية.. وبعد حوالي 10 سنوات اصبحت سميرة موسى تلميذته.. حصلت د.سميرة على بكالوريوس العلوم وكانت الأولى على دفعتها .. وعينت كأول معيدة بكلية العلوم وذلك بفضل جهود د.علي الذي دافع عن تعيينها بشدة وتجاهل احتجاجات الأساتذة الأجانب، وعلى رأسهم الإنجليزي "آيرز". ولكن رفضت الكلية ان تعينها معيدة.. فهي سابقة لم تحدث ان تكون فتاة عضوا في هئية التدريس في الجامعة.. وهنا برز دور (الاستاذ) .. الاستاذ الذي يمنح الموهبة والحماية والرعاية ولا يكتفي فقط بسرد مناهج صماء لا علاقة لما يقوله فيها بما يفعله في الحياة.. لقد جن جنون الدكتور مشرفة.. ووضعت استقالته على مكتب مدير الجامعة اذا لم تعين سميرة موسى في المكان الذي تستحقه. لايمكن المقارنة بين ما فعله الدكتور مشرفة مع تلميذته سميرة موسى.. وما فعله بعض اساتذة قسم علم النفس في آداب عين شمس الذين باعوا تلميذتهم الدكتورة آمال كمال وادعوا انهم لم يقرؤوا رسالة الدكتوراه التي منحوها عليها درجتها العلمية بمرتبة الشرف.. وكان ذلك خوفا وضعفا من هجوم احدى صحف الحوادث على جزء من الرسالة.. لا احد منهم وقف بشجاعة يدافع عن قراره.. وباعوا التلميذة في اول فرصة..ان التلميذ العظيم في حاجة الى استاذ عظيم. ] |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|