[عادل الثبيتي]

د.عبد الوالي العجلوني

عندما تخترق الاشعة المؤينة المادة يحصل العديد من العمليات الفيزيائية والفيزيائية الكيميائية والكيميائية في المادة، مما يؤدي الى احداث تغييرات في مكونات المادة وخاصة الخلايا الحية والانسجة والاعضاء في الانسان أوالحيوان أوالنبات. ان اثر الاشعاع في المادة وخصوصا الحية منها موضوع واسع وغير واضح المعالم حتى بالنسبة للمختصين في هذا المجال وما يزال خاضعا للبحث والتجريب المكثفين.
تصنع المواد المشعة باشكال فيزيائية مختلفة فقد تكون صلبة او سائلة او غازية، حيث تحفظ المادة المشعة بعد انتاجها داخل كبسولة متينة تتصدى لظروف النقل والتخزين والبيئة المحيطة بها، وتسمى المادة هنا مصدرا مشعا مغلقا اي اننا لا نتداول المادة بحد ذاتها بل نستخدم الاشعاع الذي ينفذ من الكبسولة في اغراض حياتية مختلفة تماما كما نستخدم الاشعة الصادرة من جهاز الاشعة السينية في التصوير الاشعاعي في المستشفيات. واذا ما تسربت المادة المشعة نفسها من الكبسولة تكون غير صالحة للاستخدام وتصنف ضمن الفضلات او النفايات المشعة.
وفي العديد من الاستخدامات يلزم ان تكون المادة المشعة قابلة للتداول وذلك بان تكون المادة المشعة على شكل غاز او سائل او مسحوق وتوضع في وعاء قابل للفتح كزجاجة الدواء وتستخرج من الوعاء الحاوي وقت الحاجة لتعطى للمريض عن طريق الفم او الوريد او لتضاف الى مادة اخرى في المختبر فتدعى المادة المشعة حينها مصدرا مشعا مفتوحا. واي مريض تعرض لمشاكل في الغدة الدرقية او الهرمونات لا شك انه تعامل مع مثل هذه المواد. وفي هذه الحالة فان المادة المشعة تمتص من قبل خلايا وانسجة الجسم حسب شكلها الكيماوي فاليود المشع مثلا تأخذه الغدة الدرقية واثناء وجوده داخلها يقوم بتشعيع الخلايا والانسجة التي لا تميز اساسا بين اليود المشع وغير المشع فما يهمها هو شكله الكيماوي. نستعرض في هذه المقال اهم استخدامات المصادر المشعة المغلقة والاجهزة الاشعاعية.

1- التصوير الاشعاعي الطبي
يعتبر التصوير الاشعاعي من اقدم واشهر استخدامات الاشعاع، وتهدف عملية التصوير الاشعاعي الى دراسة الوضع الداخلي لاعضاء وانسجة الجسم دون الحاجة الى الفحص الجراحي او عن طريق التنظير وتعتبر من اسهل طرق الفحص واسرعها واكثرها انتشارا. وكما هو معروف فان الاشعة السينية المنتجة من جهاز كهربائي خاص لهذه الغاية تخترق في اغلبها نسيج الجسم لتسقط على فيلم خاص يقع في الجهة المقابلة، ويتفاوت اختراق الاشعة المارة للنسيج حسب كثافة النسيج. فالانسجة الطرية تخترقها الاشعة بشكل كبير اما العظام فلا تخترقها الاشعة بنفس المقدار فتظهر ظلالها على الفيلم. ان الجرعة الاشعاعية التي يتلقاها المريض عندما يتم في تصوير الصدر تكون في المتوسط بحدود واحد بالعشرة من الملي سيفرت، في الفحوصات الاشعاعية الكبرى وقد تصل الى 5 ملي سيفرت، بينما تكون الجرعة التي يتلقاها فني الاشعة او الطبيب الذي يقوم بالفحص جرعة منخفضة جدا لدرجة يمكن اهمالها، ونادرا ما تسجل جرعات بحدود الملي سيفرت الواحد لأي من هؤلاء.

2- العلاج بالاشعة
استخدم الاشعاع في علاج الاورام وذلك بعد توافر معرفة علمية كافية عن الدور الذي يمكن ان يلعبه الاشعاع في تدمير الخلية الحية، وحيث ان الخلايا السرطانية ذات حساسية كبيرة جدا للاشعاع فانه يتم تعريض العضو المصاب بالسرطان لجرعة اشعاعية عالية جدا تتراوح بين 10 الى 80 الف ملي سيفرت، تجزأ بحيث تعطى على جرعات يومية بمعدل 2000 ملي سيفرت ولثلاثة او اربعة ايام اسبوعيا. والمصدر الاشعاعي المستخدم للعلاج اما جهاز اشعة سينية يعطي طاقة عالية او نظير الكوبالت المشع. والسؤال الذي يتبادر الى ذهن القارئ هنا: كيف نعالج مريض السرطان بالاشعاع ونحن نقول ان الاشعاع يسبب السرطان؟ وما الذي سيحصل للانسجة السليمة القريبة من الورم والتي يمكن ان تتعرض لمثل هذه الجرعة الاشعاعية الهائلة؟ وكذلك الحال للجلد الذي ستنفذ منه هذه الاشعة للوصول الى الورم اذا كان داخليا؟. ان هذه الاسئلة مبررة ومنطقية ويمكن الاجابة عنها باننا نغلب المنفعة التي هي علاج المريض على الخطر الذي يمكن أن يأتي متأخرا، والذي هو في الغالب منخفض جدا كما اشرنا في مقالات سابقة. اما الانسجة السليمة القريبة من مكان الورم وانسجة الجلد فانها رغم تضررها من الجرعة الاشعاعية فان المصادر العلمية تشير الى ان الخلل الذي يصيب الخلايا سرعان ما يتم اصلاحه ضمن آلية اعاد البناء التي جعلها الخالق العظيم سبحانه داخل اجسامنا، وان هذا الاصلاح في الكروموسومات مثلا يحصل بعد عدة ساعات من الجرعة الاشعاعية. ومن هنا اذكر القارئ العزيز بما ذكر سابقا عن المبالغة والتهويل في المخاطر الاشعاعية.

3- حفظ المواد الغذائية
تنتج الكثير من الدول مواد غذائية تفوق استهلاكها اليومي مما يستدعي تخزينها لاستعمالها في وقت اخر او تصديرها الى دول اخرى. وحفظ المواد الغذائية التي تتغير حالتها اثناء التخزين والنقل يعتبر معضلة حقيقية لكثير من الدول، خاصة اذا كانت طرق التخزين المعروفة كالتعليب والتبريد مكلفة او غير متاحة، وهنا يأتي دور الاشعاع كوسيلة ممتازة للتخزين. تتم عملية التشعيع بوضع المادة الغذائية او المنتج الغذائي باوعية عادية كاوان او اكياس من البوليستر ثم تمرر من امام مادة مشعة ذات نشاط اشعاعي عال (مئات الاف الكيوري)، ولعدة ساعات، بطريقة تشبه الى حد ما التصوير الاشعاعي ولكن يكون المنتج متحركا. وفي هذه الحالة فان الجرعة الاشعاعية التي يتلقاها المنتج قد تصل الى عشرات الالاف من الملي سيفرت، وجرعة بهذا القدر كفيلة بقتل الخلايا النامية التي تسبب التبرعم في البطاطا او انتاج الجذور في البصل اذا كان احدهما هو المنتج المراد حفظه. كما ان هذه الجرعة تسبب قتل اي ملوثات حية من بكتيريا وحشرات تكون ضمن الشحنة مما يساعد على حفظها لفترة اطول.
وبما ان الاشعاع يقوم بالتفاعل مع الماء والمكونات الحية داخل المواد المراد حفظها، فانه لا شك سيؤدي الى تكوين مواد كيماوية داخل هذه المواد قد تسبب تغيرا طفيفا في طعمها او فائدتها او قد تؤدي الى جعلها غير مأمونة من حيث انها قد تؤدي الى تشكيل مركبات غير موجودة طبيعيا يمكن ان تؤدي الى اخطار صحية مستقبلية. هذا مع الاشارة الى ان المواد المحفوظة بالاشعاع لا تصبح مشعة مثلها مثل المريض الذي يتم تصويره او علاجه اشعاعيا فهو يتلقى الاشعة التي تتفاعل مع ذراته وخلاياه ولا ينتج الاشعة.
ان حفظ الاغذية بالاشعاع، ورغم ما يعول عليه من اهمية من الناحية الاقتصادية في توفيرالغذاء لملايين البشر، لا يزال يستخدم على نطاق ضيق من الناحية التطبيقية نتيجة لمخاوف الناس من المخاطر الاشعاعية. ان الطاقة اللازمة لتجميد طن واحد من المواد الغذائية بحدود 90 كيلوواط ساعة، ولتعقيمه بالحرارة 300 كيلوواط ساعة، ولتجفيفه 700 كيلوواط ساعة، ولبسترته 230 كيلوواط ساعة، بينما يلزم ثمانية اعشار كيلوواط ساعة للبسترة المصاحبة للتشعيع و6 كيلوواط ساعة للتعقيم الاشعاعي. اي ان حفظ الاغذية بالتشعيع يوفر 70-97% من مدخلات الطاقة، بالاضافة الى ان المواد الغذائية المشععة لا تحتاج الى عبوات غالية الثمن.

4- القضاء على الكائنات المسببة للامراض
اثبتت الدراسات ان اشعة جاما فاعلة جدا عند الجرعات العالية جدا (مئات الالاف من الملي سيفرت) في القضاء على الكائنات التي تسبب الامراض كالفيروسات والبكتيريا والطفيليات، لذا تم استخدامها في تعقيم الكثير من المستلزمات الطبية التي تستخدم في العملات الجراحية، خاصة مع المواد التي يصعب تعقيمها بالطرق التقليدية كالحرارة والمواد الكيماوية. تتم عملية التشعيع بتعريض المواد الى جرعات اشعاعية عالية جدا، وذلك بتمريرها امام مصدر مشع ذي فاعلية اشعاعية مرتفعة جدا.
ومن التطبيقات الاخرى للاشعاع استخدام الاشعاع في تصوير القطع المعدنية كتصوير قطع الطائرات للتحقق من سلامتها وتصوير انابيب النفط والغاز والمياه بعد لحمها وذلك للتحقق من جودة عملية اللحام. وتتم عملية التصوير بالاشعة السينية او اشعة جاما بطريقة تشبه تماما عملية التصوير الطبي.

ويستعمل الاشعاع ايضا في الكثير من الصناعات التي لا يمكن التدخل البشري فيها لاسباب تتعلق بالسلامة وذلك في ظروف الحرارة العالية او استخدام المواد الكيماوية او تحتاج لدقة عالية جدا وازمان قياس قليلة، حيث يستخدم لقياس اوزان او كثافة او سماكة المنتجات او امتلاء العبوات المعدنية كعبوات المشروبات الغازية، وذلك بوضع مصدر مشع في جهة معينة ووضع جهاز قياس في الجهة المقابلة من جهاز الانتاج.

كما يستخدم الاشعاع في السيطرة على تكاثر الحشرات الضارة وذلك من خلال تشعيع ذكور الحشرات لجرعات اشعاعية مرتفعة جدا لتصبح عقيمة ثم نشرها باعداد كبيرة فتنافس الذكور الطبيعية مما يؤدي الى عدم انتاج اجيال جديدة من الحشرات. ويستخدم الاشعاع في احداث طفرات وراثية في بعض المحاصيل وذلك بتشعيع البذور وزراعتها بهدف الحصول على مواصفات مرغوبة مثل كمية منتج اكبر او نوعية مادة غذائية افضل، وهذا التحسين الذي يطرأ على انتاج الغذية بواسطة الطفرات الوراثية مهم من كونه يؤدي الى المساهمة في زيادة كمية المواد الغذائية المتاحة للجنس البشري. كما يستخدم الاشعاع في تحسين صفات بعض انواع الالياف كزيادة العازلية الكهربائية، وفي صناعة بعض المواد الكيماوية حيث يستخدم الاشعاع كعامل مساعد في التفاعل الكيماوي. وتتراوح الفاعلية الاشعاعية المستخدمة في التطبيقات آنفة الذكر من بضعة ملي كيوري في تقنيات القياس الى مئات الالاف من الكيوري في تقنيات التشعيع المختلفة، حيث الكيوري الواحد يساوي 37 الف مليون وحدة من وحدات قياس الفعالية الاشعاعية (البيكريل).

* المصدر / جريدة السبيل العدد 608