ملتقى الفيزيائيين العرب > منتديات أقسام الفيزياء > منتدى الفيزياء النووية | ||
دروس في الفيزياء النووية |
الملاحظات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
دروس في الفيزياء النووية
بسم الله الرحمن الرحيم
و لا عدوان إلا علي الظالمين و صلاة و سلاما علي المبعوث الأمين محمد بن عبد الله عليه و علي آله و من والاه إلي يوم الدين إذا رجعنا إلي الوراء مئة و عشرة من الأعوام , آي قبل اختتام القرن التاسع عشر , لوجدنا أن الأوساط العلمية حينئذ كانت تتحدث عن الإشعاعات الغريبة الشأن التي أكتشفها العالم الفرنسي بيكوريل و التي كانت تنبعث من تلقاء نفسها من بعض أملاح اليورانيوم , ثم ما لبثت مدام كوري و زوجها أن اكتشفا مادة الراديوم و هي ذات إشعاعات أقوي من اليورانيوم بحوالي مليوني ضعفا , و كان العلم في دهشة من هذه الإشعاعات الراديومية التي تجعل الراديوم يتوهج في الظلام , و ترفع من درجة حرارته , و سرعان ما أدركت خواص تلك الأشعة القوية القتالة فاستخدمت للفتك لخلايا السرطان ؛ و نظر العلماء إلي هذه الأشعة كدليل علي جبروت الطاقة المختزنة و التي تغلي في باطن المادة , و لكن كيف ؟ و علي آية صورة ؟ يرجع الفضل الأكبر في كشف حقائق هذا النشاط الإشعاعي إلي العالم الأنجليزى أرنست راذرفورد الذي أدي إلي علم الطبيعة النووية خدمات متتالية جعلته يعتبر بحق أعظم عالم تجريبي ذري هذا القرن ؛ فقد أجري بمساعدة ( F.Soddy ) جملة تجارب أدت إلي أعلانهما عن حقيقة النشاط الإشعاعي ؛ و طبقا لهذه النظرية تنفجر بعض ذرات المواد المشعة و ينبعث من الحطام بقوة إلي الخارج ؛ و قد وجدت أن هذه الإشعاعات ليست متجانسة , بل تشمل ثلاث أنواع سميت بالحروف : ألفا , بيتا , جامل , و هي الحروف الثلاثة الأولي في اللغة الإغريقية ؛ و عند انفجار ذرة اليورانيوم مثلا فإن ما بقي من الذرة يستمر في الانفجار المتتالي حتى تصبح الذرة المتبقية ذرة رصاص فتقف عن التفتت ؛ و لم يكن للذرة تركيب معروف حينئذ , و كان العالم الأنجليزى ج.ج.تومسون مكتشف الإلكترون , قد أقترح بأن تصور الذرة كأنها كرة من الكهرباء الموجبة تحمل في ثناياها الالكترونات السالبة التكهرب ؛ كما توجد البذور داخل ثمرة التفاح أو البرتقال ؛ و لكن هذه الصورة سرعان ما أهملت ؛ إذ أن انبعاث جسيمات بيتا السالبة ( و هي الكترونات ) بسرعة كبيرة من داخل الذرات – كما لاحظ العالم الألماني لينارد – يدلنا علي أن الذرة معظمها فراغ . و كان أن وضع راذرفورد مرة أخرى في سنة 1911 , و كان حينئذ في جامعة مانشستر , أساس الصورة التي مازالت في جوهرها سائدة حتى الآن ؛ فقد أثبت بتجارب أجراها حينئذ بأن الشحنات الموجبة في الذرة يجب أن يكون مركزها في حيز صغير جدا في وسط الذرة ؛ و أن الالكترونات - ذات الشحنات السالبة – متحركة بسرعة حول النواة علي مسافات كبيرة منها ؛ آي أن الذرة في مجموعها ليست سوي مجموعة شمسية مصغرة تكون النواة فيها هي الشمس , و تكون الالكترونات فيها هي الكواكب التي تدور حولها . و كانت قوانين الحركة الطبيعية المعروفة حينئذ تستلزم أن يشع الإلكترون ضوءا أثناء الحركة الدورانية و ينتج عن ذلك اقترابه في حركته من النواة , و هكذا يستمر في أشعاع ضوء و الاقتراب من النواة تدريجيا حتى يلتصق بها و تتلاشي شحنات الكهربية في الذرة و يتغير تركيبها ؛ و هذا لا يتفق مع المشاهد عمليا , إذ أن المواد المركبة من ذرات تبقي دائما ثابتة في تركيبها لا تتغير أبدا ؛ و كان من الواضح أن هذه الصعوبة ليس مرجعها نقص في صورة راذرفورد و لكن النقص كان في تلك القوانين الطبيعية التي يجب أن يسير بمقتضاها الإلكترون ؛ و في هذا الوقت الحرج في تاريخ العلم ( 1911 ) سافر شاب دنمركي ( نيلز بوهر ) إلي انجلترا للدراسة و بعد أن قضي سنة في كامبردج مضي إلي مانشستر حيث راذرفورد يواصل تجاربه و أبحاثه ؛ و في سنة ( 1913 ) أقترح بوهر القوانين التي رأى أن يسير علي هديها الإلكترون بدلا من تلك التي كانت سائدة قبلا , و التي ما نزال حتى الآن نطبقها علي الأجسام التي نراها و نقابلها في حياتنا العادية كالعربات و الطائرات و ما شابه ذلك . فقد قال بوهر أن الالكترونات في حركتها لها قوانين خاصة بها فالإلكترون مثلا يستطيع أن يدور حول النواة دائما أبدا دون أن يقترب من النواة أو يفقد جزءا من طاقته ؛ وذلك في مسارات معينة حول النواة , و أنه إذا أنتقل الإلكترون من مسار إلي آخر من هذه المسارات المعينة فإنه يفقد جزءا من طاقته علي شكل إشعاع ضوئي إذا كان المسار الأخير أقرب إلي النواة , و أنه بعد هذا الانتقال يظل الإلكترون يدور في مساره الجديد دون أن يفقد جزءا من طاقته . و قد نجحت هذه الفروض نجاحا كبيرا في شرح الظواهر الذرية , و لكن لم يكن العلماء مستريحين تماما للطريقة التي وضع بها بوهر اقتراحه بتحديد هذه المسارات المعينة التي يستطيع بها الإلكترون البقاء دائما أبدا دون إشعاع , فما هو السبب في وجودها ؟ نعم أنها نجحت نجاحا لم يكن متوقعا و لكن حتى سنة 1924 لم يستطع أحد التوصل إلي معرفة الجواب علي هذا التساؤل . و كان يلزم للإجابة علي هذا السؤال نظرية وضعها عالم فرنسي هو " لويس دى بروجلي " في سنة 1924 , أحدثت رجة كبيرة في الأوساط العلمية حينئذ , فقد لاحظ دى بروجلي – و كان يعمل بمعمل عمه الذي كان يبحث في خواص الأشعة السينية – أن خواص الضوء أمكن شرحها علي أساس الفرض بأن الضوء له خواص الموجات و خواص الجسيمات معا في وقت واحد ؛ أي أن شعاعا ضوئيا متحركا نستطيع أن نشبهه بسيل من الجسيمات الصغيرة المتتابعة , و نستطيع أيضا تشبيهه بمجموعة من الموجات . |
#2
|
|||
|
|||
و تساءل دى بروجلي لماذا لا نفرض نفس الشئ لسيل من الجسيمات المادية – و لتكن من الالكترونات مثلا ؟ - فهذا السيل هو سيل من الجسيمات , فلماذا لا نفرض بأن له صفات موجية أيضا , و أنه في حركته يشيه حركة مجموعة من الموجات المتتابعة ؟ و قد أمكن لبعض العلماء التجريبيين التحقق من هذا الفرض و أثبتوا صحته علميا ؛ و بذا أصبحت الخواص الموجية للجسيمات الصغيرة شيئا ثابتا بالتجربة ؛ و قد أدى الفرض الجديد إلي زيادة فهمنا لحركة الالكترونات حول النواة و انتقالاتها , و حلت جميع مشاكل الالكترونات تقريبا علي أساس هذه النظرية التي تسمي ب " الميكانيكا الموجية " .
و ما يهمنا الآن هو ذكر الصورة أو النظام الذي كشفت عنه هذه النظرية , و الخاص بنظام حركة الالكترونات حول نواة الذرة . فقد أثبتت النظرية أن الالكترونات التي تدور حول النواة إنما تدور و تتحرك علي سطوح ( كل منها يشبه القشرة الخارجية للبيضة ) تحيط بالنواة , و لنسم هذه السطوح بالقشور و أن هذه السطوح أو القشور التي تحيط بالنواة لا تستطيع أن تسمح غلا لعدد معين من الالكترونات بالبقاء فيها ؛ فالقشرة الأولي لا تحمل سوى إلكترونين , و الثانية لا تستطيع أن تسمح لأكثر من 8 الكترونات بالبقاء فيها و هكذا ,فالهيدروجين مثلا و تشمل ذرته إلكترون واحد , يستطيع هذا الإلكترون البقاء علي القشرة الأولي "أ" و كذلك الهيليوم و له إلكترونين , و لكن في ذرة الليثيوم و بها ثلاث إلكترونات تدور حول نواتها , فإنه لا يمكن للثلاثة الكترونات البقاء في القشرة الأولي , و لذا فإن أثنين منها تبقي في هذه القشرة و يشغل الثالث مكانا في القشرة التالية و التي بها ثمانية أماكن , و هكذا ؛ و بهذا أمكن معرفة كيفية توزيع الإلكترونات في حركتها حول النواة ؛ ثم لوحظ بعد ذلك أن العناصر التي تشغل جميع كهاربها كل الأماكن الموجودة في قشرة أو أكثر شغلا تاما , تتميز بثبات كبير و أن إلكتروناتها تجذب إلي النواة بقوة كبيرة ؛ و كذلك لوحظ أنه لا يوجد لهذه العناصر آي ميل للإتحاد بأي عنصر آخر , بل تبقي مكتفية بذاتها ؛ و قد عزى هذا الخمود إلي امتلاء قشرتها بالالكترونات و عدم وجود أماكن شاغرة لإلكترونات أخري . هذا في حين أن ذرة كذرة الهيدروجين و بها إلكترون واحد يتحرك في القشرة الأولي , فإنه ما يزال بهذه القشرة مكان خال يمكن أن يشغله إلكترون آخر , و لذلك نلاحظ سرعة ميلها للإتحاد بغيرها من العناصر كي تحصل علي إلكترون آخر يشغل هذا المكان الشاغر ؛ و كذلك أيضا الحال في ذرة الكلور و لها تسعة الكترونات تدور حول نواتها , فإن هناك مكانا شاغرا في قشرتها الثانية , و لذلك نلاحظ أن الكلور ميال دائما للإتحاد بغيره من العناصر حتى يملأ هذا المكان الشاغر , فتتحد مثلا بذرة مثل الهيدروجين التي عندها إلكترون واحد في قشرتها ؛ و هكذا كان علماء الطبيعة - حتى سنة 1932 – قد تمكنوا من الكشف عن خواص الالكترونات و فهم كل غوامضها ؛ في حين كانت معلوماتهم عن نواة الذرة ما تزال بدائية لا تختلف كثيرا عن الصورة التي وضعها راذرفورد قبل ذلك بعشرين عاما ؛ و لم يكن المعروف عنها يعدو كونها تحمل شحنات موجبة تساوي عدد الالكترونات التي تدور حولها , و بأن النواة تحتوي علي البروتونات – و هي نوي ذرات الهيدروجين الموجبة الشحنة ؛ و لكن في سنة 1932 حدث اكتشاف ضخم له قيمته ألا و هو اكتشاف جسيم جديد له كتلة البروتون تقريبا و لكن لا يحمل أية شحنة كهربائية و لهذا سمي بالنيوترون ؛ و حيث أن النيوترون قد نتج من ضرب نوي بعض العناصر بجسيمات ألفا ، فقد ظهر أنه لابد أن يكون له دور في تركيب النواة و سرعان ما وضع العالم الألماني هيزنبرج صورة في ( سنة 1934) لتركيب النواة علي أنها تتكون من بروتونات و نيوترونات متماسكة ببعضها بقوي نواوية كبيرة ؛ و أن مجموع وزن البروتونات و النيوترونات يطينا وزن الذرة ؛ كما أن عدد البروتونات يحدد نوع نواة العنصر ؛ فنواة فيها بروتون واحد فقط هي نواة الهيدروجين و إذا أضيف إليها نيوترون في حالة و في حالة نيوترونين في حالة أخري فإنها في هذه الحالات جميعا نواة هيدروجين ؛ و لكنه هيدروجين ثقيل , إذ أن وزن ذراته قد زاد و كذلك الحال في بقية العناصر الأخرى ؛ و طبيعي أن لكل من هذه الذرات من الهيدروجين – التي تسمي بالنظائر – إلكترون واحد يدور حولها ؛ و نظرا لعدم وجود شحنة علي النيوترون فمن السهل ضرب نوى الذرات به ؛ و لذا فقد أجريت – و مازالت حتى الآن – آلاف التجارب بضرب النوى بالنيوترونات و إحداث نظائر جديدة معظمها غير ثابت , أي سرعان ما ينهار بناء نواته فيقذف إلي الخارج بجسيمات إشعاعية تتحول بعدها إلي نواة مستقرة . و لكن هذا الانتصار الجزئي ليس كاف ؛ فقد عرفنا أن النواة تتركب من بروتونات و نيوترونات و أنه من السهل تغيير عدد النيوترونات في النواة عمليا فينتج نظائر مشعة جديدة , تقذف بجسيمات ألفا ( التي هي عبارة عن نواة ذرة الهيليوم آي 2 بروتون + 2 نيوترون ) أو جسيمات بيتا السالبة ( و هي إلكترونات ) أو أشعة جاما ( و هي كالضوء ) ؛ و لكن كيف توجد البروتونات و النيوترونات معا في النواة ؟ أيمكننا مثلا ـن نشبه النواة بقطرة السائل التي تكون فيها الجزيئات متلاصقة دون فراغ ؟ أو هل يمكن أن تكون كمجموعة من السدم أو النجوم تقترب من بعضها في أماكن و تبعد في أماكن أخري ؟ للإجابة علي ذلك تحتم علينا أن نعين كثافة نوي العناصر المختلفة ؛ فإن كانت الكثافة ثابتة فيها كلها , فإن ذلك يعني أن البروتونات و النيوترونات ملتصقة ببعضها كجزيئات السائل ؛ أما إذا لم تكن ثابتة فإنها تكون أشبه بمجموعة النجوم ؛ و في الاستطاعة عمليا تعيين وزن و حجم النواة , و بالتالي تعيين كثافتها ؛ فوجدت أن الكثافة ثابتة لجميع النوى ؛ و لذا فإننا نستطيع تشبيه نواة عنصر بقطرة سائل ؛ و لعلنا جميعا نلاحظ أنه إذا كانت لدينا قطرة صغيرة من سائل فإنها تكون كروية الشكل , و ذلك لوجود قوة التوتر السطحي علي سطح السائل , و هذه القوة تعمل علي جعل سطح القطرة أصغر ما يمكن و لذلك تأخذ الشكل الكروي ؛ و إذا يجب علينا أن نفرض نفس الشئ في حالة نوي الذرات : آي أن القوي السطحية تعمل علي أن تكون هذه النوى كروية الشكل ؛ و لكن هناك فرق بين قطرة من السائل و نواة الذرة , لا يجب أن يغيب عن بالنا , و هو أن جزيئات السائل لا تحمل شحنات كهربية في حين أن مكونات النواة بروتونات تحمل نفس الشحنات الكهربية و لذا فإنها تتنافر فيما بينها . و عندما أكتشف العالم الألماني أوتوهان ظاهرة الأنشطار النووي التي نتج عنه طاقة هائلة فتحت آفاقا كبيرة أمام التطور الاقتصادي الهائل في المستقبل , اقترح العالمان ميتز و فريش إمكان تفسير هذه الظاهرة علي أساس نظرية تمثيل النواة بقطرة السائل ؛ و قد وضع تفصيل هذه النظرية علي أساس رياضي العالم نيلز بوهر ( و هو الذي وضع النظرية الذرية الأولي في سنة 1913) مع العالم الأمريكي هويلر ؛ و لنفهم النظرية دعنا نتأمل في الطريقة التي تنقسم بها قطرة من سائل إلي قطرتين صغيرتين بتأثير قوة خارجية عليها . إذا كونا قطرة صغيرة من سائل فإننا نلاحظ أن هذه القطرة ستكون كروية الشكل "أ" ( أنظر شكل "1" ) و عندما تؤثر عليها قوة خارجية سيتحور شكلها إلي الصورة "ب" ( آي ستصبح ذات شكل بيضاوي ) فإذا توقفت القوة الخارجية الآن عن التأثير فإن قوة التوتر السطحي سترجع بالقطرة إلي شكلها الكروي الأصلي "أ" ؛ أما إذا استمرت القوة في التأثير ف‘ن التحوير سيزداد و تأخذ القطرة الشكل "ج" و حينئذ يصبح من المستبعد أن ترجع القطرة ثانية إلي الوضع البيضاوي "ب" , و لكنها ستمضي إلي الحالة "د" فتنقسم إلي شطرين مع احتمال انتثار بعض قطيرات صغيرة من ؟أثر عملية الانقسام النهائي التي تتم بعد شد و جذب في الجزء الدقيق الذي يصل بين نصفي القطرة ؛ هذا هو ما يحدث لقطرة السائل عند انقسامها بتأثير شد و جذب . |
#3
|
|||
|
|||
و ما يحدث للنواة لا يختلف كثيرا عن ذلك ؛ فعند قذف نواة ذرة بنيوترون مثلا , تحدث الإصابة بعض تذبذبات في سطح النواة ( كما يحدث لقطرة السائل ) و في خلال عملية التذبذب هذه قد يصبح شكل النواة بيضاويا مثل "ب" فإذا كانت الطاقة المكتسبة غير كافية لكي تنتقل بالنواة إلي الحالة "ج" فإن قوة التجاذب بين مكونات النواة ترجع بها إلي شكلها الكروي الأصلي و تتخلص النواة من هذه الطاقة الزائدة بقذف جسيم آخر ( أو أشعة جاما ) إلي الخارج راجعة بذلك إلي حالة الاستقرار ؛ و لكن إذا كانت الطاقة التي أكتسبتها القطرة كبيرة فإنها تنتقل إلي الحالة المماثلة بالشكل "ج" و حينئذ يصبح رجوعها ثانية إلي الشكل الكروي الأصلي غير محتمل ؛ و ذلك بسبب التنافر بين البروتونات ( المشحونة بنفس الكهرباء الموجبة ) الموجودة في كلا نصفي النواة مما يعجل بإنشطارها إلي قسمين .
و يجب علينا أن نذكر أن عملية الانقسام هذه تحدث فقط إذا كانت كتلة النواة الأصلية أكبر من كتلتي النواتين الناتجتين من الأنشطار . و إذا لشطر نواة يلزمنا قدر من الطاقة يكفي لتحوير النواة من الشكل الكروي إلي الشكل ذي الاختناق "ج" , و يسمي هذا القدر من الطاقة بالطاقة الحرجة للأنشطار ؛ و لعله من الواضح أنه إذا تحررت النواة من الشكل الكروي إلي الشكل البيضاوي فإن التنافر بين البروتونات الموجودة في جانبي القطرة يسهل زيادة التحوير في شكلها إلي الشكل "ج" [1]و بذلك يكون الأنشطار سهلا كلما واد عدد الشحنات الموجودة في كلا من الجزئين , أو – و هو نفس الشئ – كلما زادت الشحنة " ك " علي النواة الأصلية و تكون قوة التنافر متناسبة مع " ك تربيع " ؛ و في نفس الوقت تكون قوة التجاذب أو الترابط بين مكونات النواة – و هي التي تجمع بينها في شكل كرة – متناسبة مع عدد المكونات " ع " ؛ و إذا نستطيع أن نقول مع بوهر و هويلر أن سهولة الأنشطار تتوقف علي قيامة المعامل " ك تربيع ÷ ع " فكلما زادت قيمة هذا المعامل لنواة معينة , كلما قلت قيمة الطاقة اللازمة لأحداث الأنشطار ؛ و قد أثبت بوهر و هويلر أنه زادت قيمة هذا المعامل عن 45 فإن النواة لا تكاد تصبح في حاجة إلي الطاقة كي تنشطر و أأن آي تحوير بسيط يحدث في شكلها يكفي فورا لشطرها إلي نصفين ؛ و لعلنا نذكر قيمة المعامل " ك تربيع ÷ ع " لبعض النوي المعروفة في المفاعلات الذرية ؛ فلنواة اليورانيوم 235 يكون " ك تربيع ÷ ع = 36 " , و لنواة البلوتونيوم 239 يكون " ك تربيع ÷ ع = 37 " . كان شرح ظاهرة الأنشطار النووي علي أساس نظرية قطرة السائل نجاحا كبيرا لهذه النظرية دعم من قوتها العلمية . و لكن بعد الحرب العالمية الثانية ( حوالي 1950 ) ظهرت نظرية أخري لتركيب نواة الذرة علي أيدي العالمة الأمريكية ماريا ماير و العالم الألماني ينسن , و تسمي هذه النظرية بنظرية التركيب القشري للنواة , فقد لاحظنا في صدر هذا الدرس عند كلامنا عن التركيب القشري للإلكترونات التي تدور حول النواة أن المواد التي تشتغل كل الكتروناتها عددا كاملا من القشور أو بعبارة أخري تلك التي تبلغ أعداد إلكتروناتها ( و هي تسمي بالأعداد الذرية ) 2,10,18,36,54؛ و هي علي التوالي غازات الهيليوم – نيون – أرجون - كريبتون – زينون , تمتاز بثبات كبير و عدم إتحاد مع غيرها من العناصر ؛ فإذا ما تركنا الإلكترونات و دخلنا في النواة فأننا نذكر أن كل نواة تتميز برقمين هما عدد البروتونات و النيوترونات المكونة للنواة ؛ و سبق أن ذكرنا أنه إذا أتحد عدد معين من البروتونات بأعداد مختلفة من النيوترونات فإنه ينتج لنا نظائر مختلفة من نفس العنصر , بعض هذه مستقرة , و الأخرى تتحلل بأن ترسل إلي الخارج إشعاعات نووية متحولة بذلك إلي نظير أو عنصر أخر . و كما أننا نلاحظ أن الأعداد الذرية للغازات أو المواد الثابتة التركيب في حالة الإلكترونات – و هي الأعداد المذكورة أعلاه – هي أعداد زوجية فقد لوحظ أيضا أن كل النظائر الثابتة تقريبا تحوى أعدادا زوجية من كل من البروتونات و النيوترونات و من ضمن هذه الأعداد الزوجية وجدت أعدادا إذا أحتوت النواة علي إحداها من البروتونات أو النيوترونات فأنها تمتاز بثبات و استقرار قويين ؛ و هذه الأعداد التي سميت بالأعداد السحرية هي 2,8,20,28,50.82,126؛ ففيما يختص بالعدد 2 نلاحظ أن نواة الهيليوم و هي تحوي بروتونين و نيوترونين من أكثر النوي المعروفة استقرارا و كذلك الأكسيجين الذي له 8 بروتونات , و 8 نيوترونات ؛ و كذلك الكالسيوم و له 20 بروتونا , و يكفي للدلالة علي شدة الاستقرار و الترابط في هذه الأنوية أن نلاحظ أن لها 6 نظائر ثابتة تحتوي أعدادا من النيوترونات تتراوح بين 20,28 و هذا عدد كبير من التجمعات في النيوترونات بالنسبة لصغر حجم النواة و لكنه يدل دلالة قاطعة علي قوة التماسك في النواة . و من المعلوم أن الفرق بين أوزان مكونات نواة قبل أن تتحد مع بعضها و بعد اتحادها هو مقياس لقوي الترابط في النواة , و عند قياس قوي الترابط هذه للنوي المختلفة وجد أن قوي الترابط في النوي التي تحتوي أعدادا سحرية من البروتونات أو النيوترونات هي أكبر من قيمتها فيما يجاورها من نوي ؛ و دليل آخر علي قوة الترابط هذه هي وفرة وجود العناصر في الطبيعة إذ أنه من الطبيعي الفرض بأن أكثر العناصر توافرا في الطبيعة و بقاء علي مر السنين هي أكثرها ثباتا . و إذا ما نظرنا الآن إلي العدد السحري 50 وجدنا أن القصدير و تحتوي نواته علي 50 بروتونا و له عشرة نظائر ثابتة و هي أكبر عدد من النظائر لأي عنصر أخر و كذلك يتوافر القصدير أكثر من آي عنصر يجاوره في جدول العناصر . و لعل العدد 82 أكثر الأعداد مدعاة للعجب , فهناك سبع عناصر مختلفة تحتوي كل منها 82 نيوترونا , فنظير الباريوم الذي يحتوي 82 نيوترونا يكون 72% من المتوفر في الطبيعة من هذا العنصر ؛ و نظير مادة السيزيوم الذي تحتوي نواته 82 نيوترونا يمثل 88% من المتوفر من هذا العنصر أيضا ؛ و أخيرا و ليس أخرا فالرصاص و هو الذي تنتهي إليه جميع المواد المشعة و تقف عن إشعاعها عندما تصل إليه تحتوي نواته علي 82 بروتونا . و قد أثبتت التجارب علي أن نوي العناصر التي تحتوي 50 أو 82 أو 126 نيوترونا لا تحب أن تمسك بنيوترون إذا مر بها أو أقترب منها و احتمال قبولها لنيوترون واحد يقل بحوالي عشر مرات عن احتمال قبول النوي التي تجاورها أو تماثلها في الوزن للنيوترونات . و هناك أدلة كبيرة غير هذه تؤيد و تزيد من قوة التركيب القشري للنواة و وجود الأعداد السحرية . و أنه لمن العجب حقا ما تظهره لنا هذه الحقائق من أن لكل من البروتونات و النيوترونات كيان منفرد , كل مستقل عن الأخر , عكس ما كنا نتوقعه من تأثير القوي النواوية التي تربط بين مكوناتها . و فسر لنا هذا النظام القشري للنواة حقائق لا حصر لها أظهرتها التجارب بحيث يعتبر بعض العلماء هذا الاكتشاف بأنه أعظم عمل علمي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية . و طبعا كما قد يبدو لنا , ليس من السهل شرح ظاهرة الأنشطار النووي علي هذا الأساس ؛ و هكذا خلال التطورات الحاسمة العظيمة لبثت نظرية قطرة السائل منزوية قليلا و إن لم تختف تماما , بل ظلت دائما مقرونة بظاهرة الأنشطار النووي , و كان لابد من إيجاد صورة أو طريقة للربط بين هاتين النظريتين أو الصورتين و تجمع بين مميزاتهما , و هكذا كان ؛ فقد نجح العالم الشاب أوجي بوهر – و هو نجل العالم الدنمركي نيلز بوهر واضع الصورة الأولي للذرة في سنة 1913 – في وضع نظريته عن الحركة الجماعية للنواة بأن أسبغ علي النواة ذات القشور المليئة بالنيوترونات و البروتونات حركة جماعية دورانية بحيث يصبح سطح النواة الخارجي مشابه لسطح سائل في قابليته للاهتزاز و التذبذب . و يمكن تشبيه النواة في هذه النظرية ببيضة تدار علي مائدة مثلا و هي مرتكزة حول أحد طرفيها ؛ إذا درسنا حركة السائل داخل البيضة فإننا سنجد أن السائل لا يدور مع القشرة بل أنه يتحرك فقط في الاتجاه الداخلي و الخارجي عمودي عل القشرة ؛ و كذلك النواة في هذه النظرية يتحرك ما بداخلها بنفس الطريقة ؛ و لكن سطحها – و هو ليس في صلابة قشرة البيضة – مرن و له حركة دورانية و يتعرض لضغط من داخل النواة نتيجة لهذا الدوران ؛ آي أن ما يدور فقط هو الجزء الخارجي من النواة فقط ؛ و يتعرض هذا الجزء لضغط من الأجزاء الداخلية للنواة التي تتحرك من الداخل إلي الخارج و بالعكس ؛ و بذا يتحور شكل النواة و يصبح لسطحها قابلية التذبذب و التحرك تحت هذا الضغط ؛ و بذا تصبح مشابهة لحركة قطرة السائل و نستطيع تصور ظاهرة الأنشطار علي أساس هذه الحركة الجماعية التي فرضت للنواة ؛ و هذه الأخيرة لها ما يزال تركيبها القشري الملئ بالبروتونات و النيوترونات التي تشغله . |
#4
|
|||
|
|||
أشكال إيضاحية
========== الشكل الأول ========== تتركب الذرة من جسيم ثقيل ( النواة ) يحمل عددا من الشحنات الموجبة , و يدور حولها عدد من الإلكترونات ( ذات الشحنة السالبة ) مساو لعدد الشحنات الموجبة علي النواة , و تدور هذه الإلكترونات حول النواة في مسارات ثابتة , أو سطوح قشرية تحيط بالنواة , و تستلزم النظرية الذرية ألا تحمل القشرة الأولي سوي إلكترونين فقط , أما القشرة الثانية فتحمل ثمانية إلكترونات ... و هكذا , و إذا ملئت هذا القشور بالإلكترونات فإن الذرات تصبح ثابتة لا تتحد بغيرها من ذرات العناصر الأخرى , و نري في الشكلين بأسفل صورا لبعض الذرات التي تمتلئ قشورها بالإلكترونات تماما , و لذا فهي تتميز بثبات و استقرار كبيرين , و هذه الذرات هي ذرات الهيليوم و النيون و الأرجون و الكريبتون . |
#5
|
|||
|
|||
الشكل الثاني
======== تتكون نواة الذرة – و هي التي تدور حولها الإلكترونات – من نوعين من الجسيمات : بروتونات و نيوترونات . الأولي تحمل شحنات كهربية موجبة و الأخيرة لا تحمل شحنات كهربية , و تختلف ذرة عنصر ما عن ذرة عنصر آخر بعدد ما في نواة كل من بروتونات ( دون نيوترونات ) , فإذا كانت النواة تحتوي علي بروتون واحد فهي نواة الهيدروجين مهما كان عدد النيوترونات المصاحب لهذا البروتون , و نري في الشكل الأول ثلاث ذرات للهيدروجين ( تسمي نظائر الهيدروجين ) و تختلف عن بعضها فقط في الوزن و لكن لها جميعا نفس الخواص الكيميائية , و يمكن تكوين هذه النظائر بقذف نواة الذرة بجسيمات النيوترونات ( و هي ممثلة بدوائر بيضاء ) فيلتصق بعضها بالنواة , و بعض هذه النظائر غير ثابتة , آي سرعان ما تنطرد النيوترونات الزائدة راجعة بذلك إلي وضعها الأصلي . و نري في الشكل الثاني ثلاثة نظائر للهيليوم تحتوي كل ذرة منها علي بروتونين و أعداد مختلفة من النيوترونات و لذا فهي تختلف في الأوزان و الاستقرار فقط . و يوضح الشكل الثالث أيضا بعض أمثلة لذرات عنصر الليثيوم و تحتوي كل منها علي ثلاث بروتونات فقط مع أعداد مختلفة من النيوترونات . |
#6
|
|||
|
|||
الشكل الثالث
======== نري في الشكل بأسفل تمثيلا لأول تجربة أجريت في تحويل عنصر إلي عنصر آخر بضرب نواته بجسيمات صغيرة تلتحم به و تغير عدد ما به من بروتونات , آي تحوله إلي عنصر آخر , و كان اللورد راذرفورد هو الذي قام بهذه التجربة في سنة 1919 إذ قذف نواة النيتروجين بجسيم ألفا ( الذي يتكون من 2 بروتون + 2 نيوترون ) فتحولت إلي نواة الأكسيجين بأن ضمت إليها نيوترونين و بروتون واحد من جسيم ألفا تاركة البروتون الآخر ؛ و يبين العدد المذكور في أعلي " أسم " العنصر علي اليمين وزن النواة , في حين يبين العدد المبين علي اليسار إلي أسفل عدد البروتونات ؛ و نري في أسفل الصورة الجهاز البسيط الذي أستخدمه راذرفورد في تجربته هذه , و كان غاز النيتروجين يملأ الجهاز و تصطدم جسيمات ألفا المنبعثة من الوسط بنوي الغاز محدثة التحول النووى المذكور , و يشاهد هذا التحول من التوهجات التي تظهر علي لوحة كبريتيد الزنك . |
#7
|
|||
|
|||
شكل رقم (4)
========== نري في الشكل أدناه التطورات التي تحدث في قطرة من سائل ( أو نواة ذرة ) عند إثارتها لكي تنقسم إلي قطرتين و بعض الرذاذ الدقيق ؛ عند إثارة القطرة تصبح بيضاوية الشكل "ب" فإذا استمرت الإثارة تتحول القطرة ( أو النواة )* إلي كرتين صغيرتين متصلتين بعنق صغير "ج" ثم يتم الانقسام بعد ذلك علي الصورة المبينة في "د" . |
#8
|
|||
|
|||
شكل رقم (5) , (6)
============= نرى في الشكلين ( 5,6) بعض أمثلة التفاعلات النواوية , التي تقذف فيها النواة بجسيمات صغيرة مختلفة , فيتغير تركيبها و ينتج من هذا التفاعلات جسيمات مختلفة بروتونات و نيوترونات أو أشعة جاما . و هذه التفاعلات – فضلا عن إحداث مواد مشعة – تمكننا من دراسة و تفهم القوي الموجودة في النواة . |
#9
|
|||
|
|||
الصوره التاليه
|
#10
|
|||
|
|||
هوامش الدرس :
-------------------------------------------------------------------------------- [1] - ذلك لأنه من المعروف أن تركيز الشحنات علي السطح يكون أكبر في الأماكن التي تقل عنها قيمة نصف قطر التكور ؛ آي أنه في الشكل البيضاوي تتركز الشحنات في طرفي القطرة حيث انحناء السطح كبير عند هذين الطرفين . |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
انواع عرض الموضوع |
العرض العادي |
الانتقال إلى العرض المتطور |
الانتقال إلى العرض الشجري |
|
|