ملتقى الفيزيائيين العرب > قسم المنتديات الفيزيائية الخاصة > استراحـــة أعضاء ملتقى الفيزيائيين العرب. | ||
صور من حياة أستاذ الرياضيات جفري لانج حين أسلم وكتبه وبعض روابط محاضراته |
الملاحظات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#11
|
|||
|
|||
![]() ![]() كان حصولى على درجة الدكتوراة فى ديسمبر 1981 ، وبقيت كمحاضر لفنرة دراسية أخرى ، بينما كنت أبحث عن عمل آخر . بقائى فى لافايت الغربية كان للتفكير ؛ لم يكن هناك شئ آخر أعمله . كانت لى كمدينة جامعية ، تصبح كمدينة أشباح ، حينما يذهب طلبتها فى أجازة . بها مطعم للأكلات السريعة ، قاعاتنا للسينما ، بضع كنائس ، ثلاث غسالات ، وبعض بقالات كبيرة . حينما تريد التجول فيها ، لا تذهب بعيدا حتى تجد المزارع حولك . كنت أمارس هواية المشى لعدة أميال كل يوم ، على الطرقات ، والثلوج السميكة تتحطم تحت قدمى ، كان هذا أقسى شتاء مر بى . البحر الأبيض اللون من حولى ، كان هادئا ممتعا ، وأنا غارق فى أفكارى . ولا أنسى المرأة الشابة التى جاءت لمكتبى للمساعدة . حينما فتحت لها الباب ، كانت أمامى مفاجأة !!! من المحتمل أنها امرأة شرق أوسطية تواجهنى . كانت مغطاة بالكامل ، باللون الأسود من أسفل إلى أعلى ، إلا وجهها وكفيها !!! وافقت على مساعدتها ، وفورا ، انطباعاتى السابقة عن المرأة العربية تحطمت . كانت طلبة خريجة فى الرياضيات ، ولما كانت تشارك فى مكتب ، كمكتبى ، أساتذة مساعدين ، فافترضت أنها مثلهم أستاذة مساعدة . ولكنى لم أتصور كيف تقف أمام طلبة من مواطنى إنديانا ، من أصول ألمانية ، بمنظرها هذا ؟؟؟ وفى نفس الوقت كانت متزنة وذات شخصية ، بمقارنتها بنفسى ، شعرت بالخجل منها . وجدت نفسى لا أجرؤ للنظر إليها ، بالرغم من أن وجهها جميل بشكل متألق . وبالرغم من أنى شرحت لها ما تريد لمرتين ، شعرت بأنى أريد أن أتكلم معها مرة ثانية ... لا أعلم إذا كان ذلك كفضول منى أو هياما بها ... ربما كانا الإثنين معا . كانت هناك جاذبية داخلى ، وشعور لطيف نحوها أردت أن أتبينه . وفى عدة مرات كنت أهم بالطرق على باب غرفتها ، ولكنى لم أفعل ذلك مطلقا . من إحتكاكى بالطلبة ، بدأت التعرف والإهتمام بالأديان الأخرى ، فقد بدأت الإحتكاك بطلبة من مصر والهند وباكستان واليابان والصين . وحتى هذه اللحظة ، كنت دائما أعتبر ظاهرة أستعراض الأنظمة الدينية المختلفة ، بأن ذلك ضد عقيدة التوحيد . ولكنى الآن رأيت ، أن أساس العقائد متشابه إلى حد كبير ، ولكنها الرموز ، والطقوس ، والمقدسات هى التى تختلف . لربما كانت هناك قوة ، أو روح عالمية ، اخترقت كياننا ، كما كنت أعتقد . والرموز التى تعبر عن معرفتنا بهذه القوة ، تختلف بإختلاف الثقافات التى منها نشأت . هذا يفسر تعدد الأفكار . وبما أننا نتشكل حسب ثقافاتنا المختلفة ، فيمكننى الآن العودة إلى جذور دينى . من الممكن الآن العودة ، ومشاركة أبى فى الذهاب لحضور القداس بالكنيسة . مراسلاتى المختلفة ، ومكالماتى التليفونية تشير إلى ما كنت أبحث عنه . يمكننى الآن الوقوف فى الصفوف الخلفية بالكنيسة ، كما كان يفعل أبى دائما ، منصتا باهتمام شديد للخطبة . على كل حال ، فكلماتها لم تصلنى ، فعلى ما أعتقد فالقس كان ، كأنه يخاطب أحدا غيرى ، هؤلاء الذين يعتقدون فيما يقول . وحتى هم ، أشعر أنهم لم يكونوا ينصتون له ، كما لم يفعلوا ذلك بالمرة فى أى وقت من الأوقات ، كما أتذكر . ولكن أنهم لابد أن يحصلوا على شئ ما من الإجتماع ، وإلا فلماذا يحضرون ؟؟؟ . ![]() وهذه لم تكن الحالة معى . وحينما كنا نخرج لأكل الفطائر بعد الكنيسة ، ، كان أبوى ، لمعرفتهم بشكوكى ، وبعدم اقتناعى ، يشاركونى تجاربهم الشخصية ، ويناقشونى فى هذه الشكوك ، وكنت أحبهم ، لمحاولاتهم هذه . كنت أعرف أنهم يحاولون مساعدتى . وقد حضرت الكنيسة ، لثلاث مرات متتالية . وكان من الصعب على ، أن أذكر لأمى ، بأنى لن أذهب معهم فى الحد الرابع ، حتى أنى لم أستطع النظر فى وجهها ، وأعطيتها ظهرى ، حينما جاءت لتوقظنى للذهاب للكنيسة . "الكنيسة ليس لى ماما" ، قلت لها ذلك . وكان هناك صمت لفترة وجيزة ، ربما للمحاولة فى أن تحثنى على الذهاب . ربما تكون قد أرادت ، أن تقول لى ، أعطى التجربة فترة أخرى ، وأن ثلاث مرات غير كافية للحكم . "حسنا بنى" ، قالت ذلك أمى أخيرا . بنغمة من اليأس والإنسحاب ، بقلب أم محبة وتتألم من طفلها الذى لا تستطيع مساعدته . أحسست رغبتى فى أن أقوم من السرير لأحتضنها ، وأتأسف لها . ولكنى لم أستطتع حتى الإلتفات إليها . بقيت صامتة بجوارى للحظات ، ثم سمعت وقع أقدامها تاركة الغرفة . كان وجودى فى سان فرانسسكو ، لأبدأ من جديد ، فالأماكن الجديدة مناخ للفرص الجديدة . يمكنك أن تفعل فيها شيئا مختلفا وغير متوقع ، وذلك لأنك ما زلت غير معوف . أساتذتى حثونى على أن أبحث عن مكان آخر ، ولكنى فضلت جامعة سان فرانسسكو للعمل فيها . لم أكن أعرف السبب . لم تكن مدرسة أبحاث ، كما أنى لم أكن أحب المدن الكبيرة . في بدايةِ الفصل الدراسي، حياتي الشخصية كَانتْ مثيرةَ وفوضويةَ . قررت أن أعيش لحظتى ، ولا أفكر فى المستقبل ولا الماضى . كان رائعا أن تحصل على مرتب حقيقى ، بدلا من مصاريف الإعاشة التى كنت أحصل عليها كطالب خريج كما تعودت . كنت على وشك البدء فى محاضرتى الأولى ، حينما ظهر هذا الشاب العربى الوسيم ، ذو ملامح ملكية ، فى الباب الخلفى للقاعة - وأدلف إلى الحجرة . كان طويل القامة نحيف ، ويلبس ملابس تعكس حسن الذوق . ألتفت إليه كل من كان فى المحاضرة ، اعتقدت أنهم ربما وقفوا له . كان من الواضح أن الكل يعرفونه ، وأنه يعرف الجميع ، حيث وزع عليهم ابتساماته ، وإيماءته المؤدبة ، والكل يضحك وهو يأخذ مقعده . حدث تغير فى جو المجموعة . كان لمحاضرتى علاقة بالأبحاث الطبية ، وسألت عما إذا كان أحد الطلبة له إلمام بالموضوع ليشارك ؟؟؟ فرفع هذا الشخص يده ، وأحسبه أنه أحد الأمراء . وبلهجة انجليزية سليمة ، وثقة فى النفس ، أخذ فى شرح الموضوع للصف . سألته ما اسمك ؟؟؟ قال اسمى "محمود قنديل" . فقلت له ، الظاهر أنك تعرف الكثير عن الطب ، هل هذا مجال دراستك ؟؟؟ أجاب بالنفى ، لا لقد قرأت هذا الموضوع فى احدى المجلات من أيام . "حسنا ، وشكرا للمشاركة ، أعتقد أنه سيكون لك مستقبلا فى الطب ، ومن الآن سأدعوك ، دكتور "قنديل" ، ابتسم ممتنا للمجاملة . وأخذ على عاتقه ، أن يرينى سان فرانسيسكو . وأينما ذهبنا ، وجدت الناس تعرفه "تحبه ربما كانت كلمة أليق": عمدة المدينة ، رئيس البوليس ، نجوم الروك ، أصحاب الصيدليات ، حتى بعض الناس فى الشارع . كان كريما جدا ، ويشعر أقل الناس بأنهم مهمين . فى نفس الوقت ، كان متفتحا ومتواضعا > لا يمكنك إخفاء شئ عن محمود ، فهو قد قبلك كما أنت . مهارته الكبيرة كانت مع الناس !!! يمكنه اكتشاف ما يؤلمك ، ويجعلك تنساه ، على الأقل مؤقتا . كان ساحرا ، مرحا ، من الصعوبة أن تتقدم عليه خطوة فى أى موضوع . لقد ذهبت معه لأماكن كثيرة ، ورأيت كيف الحفاوة به . كان عالما لم أره من قبل ، سيارات فارهة ، ملابس ، مجوهرات ، مطاعم ، مأكولات شهية ، يوخوت ... ا لكثير من الرفاهية . تألق فى كل اتجاه -- كالثلج !!! ولكن مناقشات باردة ، لا حياة فيها ، ليس لها معنى . كنا كنجوم تافهة نلعب أدوارا ثانوية . كل منا كان يبحث فقط عن قضاء وفت طيب ، مشغول بأن يكون "فى" ، "ومعها" ، "ومودرن" . لم تكن هناك بهجة ولا سعادة ، ضحكات فارغة . لم أشعر فى السابق بهذه المعاناة ، كما شعرتها فى هذا الوقت بالذات . لم أنسجم مع هذا المجتمع ، ولم أكن أريد ذلك . وبالرغم من أن محود قد لعب هذه اللعبة ، إلا أنه هو أيضا لم يكن من هذا النسيج . أساسا ، فهو رجل متواضع وكريم . جاذبيته ، كانت نتيجة لبراءته ، وأمانته ، وروحه الطفولية ، وهذه الصفات لم تلوث ، رغم وجوده فى سان فرانسيسكو ، وذلك بأعجوبة . ولم أكن أنا فقط الذى يفتقد شيئا ما ، فمحمود أيضا كانت له معاناته الخاصة . لولا آلامه هو ، لما كان يستطيع أن يخفف آلام الآخرين . وكنت أتنمنى له منكل قلبى ، أن يجد ضالته . ـــــــ ـــــــ قدمنى محمود لعائلته . لم يتضح لى فى البداية ، من يعول من !!! ولكنهم ذكروا الكثير عن أنفسهم أكثر مما ذكرت لهم عن نفسى . كان محمود هو الإبن الأكبر ، وله وضع المسئولية عن العائلة فى نظام الأسرة السعودية . وأخوه عمر ، كان طالبا نابها ، فى المواد العلمية بجامعة كاليفورنيا - بيركللى . وأختهم راجيا ، كانت أيضا طالبة فى نفس الجامعة ، تحمل كل الطيبة والنقاء . هوازن كانت خطيبة محمود الشابة . تشع عينيها بالذكاء الوقاد ، والإبتسامة الحلوة . وقد مات والده وهم أطفال ، وما زال الحزن يتغشاهم من حين لحين . أما والدته فتعيش وحيدة بالسعودية ، وحولها مجموعة من الخدم يرعونها . الفترة التى قضبتها معهم فى النزهة أو فى اليخت بالبحر أو فى تناول الطعام معهم فى منزلهم ، كانت من أجمل الفترات التى مررت بها منذ وقت طويل . ![]() لم ننكن نتاقش فى الدين كثيرا ، وحينما يحدث ذلك ، فتكون أسئلتى هى الدافع للنقاش . لم أكن ألح فى السؤال ، لأنى كنت أفضل أن تبقى صداقتنا بعيدة عن مثل هذه الأمور . وقد شعرت بأنهم أيضا يرحبون بهذا الوضع . ![]() يتبع أشكر كل من يتابع
__________________
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
انواع عرض الموضوع |
![]() |
![]() |
![]() |
|
|