[ناصر اللحياني]

كتب حمدي مصطفى

إنّه يبدو أنّ للبراكين الأرضيّة يداً في عمليّة ضخ كميّات أوكسيجين بإستمرار علي كوكب الأرض منذ أكثر من 2000 مليون سنة. ممّا ساعد علي تعديل جو الأرض، بحيث يسمح للحياة علي الأرض أن تأخذ في الإزدهار والنمو، والذي كان منسوب الفضل فيه للبكتريا القديمة .



وكان قد بدأ تغيٌر الجو علي كوكب الأرض منذ ما يقرب 2500 مليون سنة مضت. وكانت النظريّة والتي ظلّت سّائدة حتّي وقت قريب عن أن البكتريا هي مصدر الأوكسجين علي الأرض، مثيرة للجدل، لأنّ البكتريا المتحجّرة Cyanobacterium كانت قد ظهرت لأوّل مرّة علي الأرض منذ 200 مليون سنة قبل ذلك التّاريخ، وهي بكتريا قادرة علي إنتاج الضوء. وكان العلماء يتعجّبون لماذا إستغرقت تلك البكتريا كل هذا الوقت الطّويل لملئ جو كوكب الأرض بالأوكسيجين ؟. ولقد ظهرت الإجابة علي هذا التساؤل بأنّ ذلك بسبب عدم قيام البراكين التي تحت سطح المياه بعملها طوال تلك الفترة .

الصورة : وجود البراكين علي سطح الأرض ساعد البكتريا علي إثراء جو كوكب الأرض بالأوكسيجين

وحتّي تكتمل أركان القصّة، فلقد قام عالم الجيولوجيا لي كامب Lee Kump من جامعة بنسلفانيا الرسميّة، وبالتعاون مع مارك بيريلي Mark Barley من جامعة غرب أستراليا في كرولي، في الإعتماد علي بعض العلامات والإشارات التي وضحت مؤخّراً بسبب ذلك التحسٌن الكبير والذي طرأ علي تكنولوجيا التأريخ بإستخدام النظائر المشعة والتي إستطاعت أن تحدّّد بالضبط وبدقّة أكبر ذلك التوقيت الذي بدأ فيه تدفٌق الأكسجين إلي جو الأرض، ولقد كان ذلك التوقيت متزامناً مع نفس توقيت تشكيل معظم القارّات علي سطح كوكب الأرض، وذلك منذ ما يقرب من 2500 مليون سنة مضت. ولقد دفع ذلك كلا الباحثان من الشّك في إحتمال وجود علاقة بينهما، أي علاقة بين بدئ تدفٌق الأكسجين علي كوكب الأرض وبين بدئ تشكيل القارات .

ولقد إنكبّ الباحثان علي تحليل جميع الدّراسات المنشورة عن الترسٌبات البركانيّة، ولقد وجدوا شيئاً مثيراً، وهو : أنّه يوجد تحوٌل هام قد حدث ما بين البراكين تحت سطح الماء Submarine Volcanoes إلي تلك البراكين الموجودة علي سطح الأرض، وذلك في نفس تلك الفترة والتي بدأ فيها تدفٌق الأكسيجين علي كوكب الأرض. ومن المعروف أنّه قبل 2500 مليون سنة، كانت القشرة الأرضيّة تحت المحيطات أكثر سمكاً بالمقارنة بالقشرة الأرضيّة للقارّات فلقد كانت أقل سمكاً. وهذا يعني أنّ غالبيّة كتلة الأرض آنذاك كانت تحت سطح الماء، وهكذا فإنّ معظم ثورات البراكين كانت تحدث تحت سطح الماء. ذلك لأنّ ثورات البراكين التي تحدث تحت الماء تكون أكثر برودة من تلك التي تحدث علي سطح الأرض، ممّا ينتج عنه إنطلاق غازات نشطة بكمّيات ضخمة تقوم بإستهلاك الأوكسيجين، مثل الهيدروجين وكذلك مثل كبريتيد الهيدروجين .

وبعد أن إزدادت سماكة القشرة الأرضيّة للقارّات وإزداد ثباتها وإستقرّت، فلقد توازي مع ذلك حدوث تقليل وترقيق في سماكة القشرة الأرضيّة تحت سطح الماء. وإزدادت بذلك قدرة المحيطات علي إستيعاب كمّيات أكبر من المياه، وإرتفعت مساحات أكثر من الأراضي فوق سطح البحر لتزيد من مساحات الأراضي بالقارّات. وبالتالي وكنتيجة لذلك، فلقد إزدادت ثورات البراكين علي الأرض الصلبة فوق سطح الماء. وعلي عكس ما يحدث بالنسبة للبراكين تحت سطح الماء، فإن براكين الأرض الصّلبة تستهلك ( تمتص ) أوكسيجين أقل .

ولقد أوضح العالمين كامب وبيرلي إعتقادهم بأنّ ذلك يفسّر الفترة ما بين ظهور البكتريا علي الأرض وتزايد كميّات الأوكسيجين عليها. ولقد كان تحوٌل البراكين من تحت سطح الماء إلي فوق سطح الأرض، قد سمح بتراكم وتجميع الأوكسيجين الذي تنتجه البكتريا، وطوال ما يقارب 2000 مليون سنة مضت كان الأوكسيجين يتزايد في جو الأرض بما يسمح للمخلوقات بأنواعها من حيوانات وغيرها بالحياة. ولقد تم نشر هذا البحث في عدد 30 أغسطس 2007 في مجلّة الطبيعة Nature .

ويقول الكيميائي الجيولوجي تيموثي Timothy، عن سيناريو هذا التحوٌل فيما بين البراكين الأرضيّة وبين البراكين التي تحت سطح الماء، أنّ هناك فعلاً علاقة وثيقة بين السبب وبين التأثير .


المصدر
صحيفة الوسط
25 سبتمبر 2007